تم نشر مقال الرأي الأصلي باللغة الانجليزية على موقع العربي الجديد

تسبّب الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية في 6 شباط/فبراير 2023، بمقتل 40 ألف شخصٍ وأدّى إلى تشريد الملايين حتى الآن. ويرجّح أن يفوق المجموع النهائي هذا العدد بكثير. ومع ذلك، وبعد مضي أسبوع على الكارثة، بات واضحًا أن الاستجابة الدولية لهذه الكارثة كانت فاشلة، ما عرّى القيود والتناقضات التي يعاني منها النظام العالمي لدى تصدّيه لحالات للطوارئ.

ومع استقرار الوضع وتوقّف جهود الإنقاذ، بدأ الغضب يتفاقم في سورية، مستهدفًا بشكلٍ أساسي الاستجابة المتأخّرة للمجتمع الدولي ومساهمته البطيئة في جهود الإغاثة الفورية في المناطق التي يسيطر عليها النظام والمعارضة على حدّ سواء.

وليس التأخير في الاستجابة الإنسانية للزلزال المدمّر سوى المثال الأحدث لفشل النظام الدولي في التعامل مع حالات الطوارئ. ومن الصعب التفكير في حالة واحدة تقاعست فيها حديثًا الأمم المتحدة عن القيام بواجبها، وأودت بحياة العديد من الأشخاص. وفي الوقت الذي باشرت فيه تركيا وسورية في إزالة الأنقاض، بات جليًا أنه هناك مبرّرات قوية لإجراء تحقيق دولي مستقلّ في سبب هذه الاستجابة البطيئة.

بالفعل، بدأ المحلّلون في تشخيص المشكلة، وخلصوا إلى أن الأمم المتحدة ووكالاتها ذات الصلة قد اختارت، مجدّدًا، التقيّد بالسلوك بالبيروقراطي الجامد بدلًا من "الخروج بحلولٍ إبداعية أخرى"، مثل استخدام "المركبات الأصغر حجمًا بدلًا من الشاحنات الكبيرة ما يتيح التنقّل بشكلٍ أفضل بين الطرق وتقديم المساعدات من دون تأخير "، ما كان من شأنه أن ينقذ الأرواح. ويكشف ذلك تباينًا واضحًا بين ادعاء الأمم المتحدة أنها تعمل باسم الإنسانية من جهة، وعملياتها التي تعطي الأولوية باستمرار للإجراءات البيروقراطية على حساب الأرواح من جهة أخرى.

وتثبت الاستجابة الدولية البطيئة وغير الفعّالة لأسوأ زلزال ضرب بلاد الشام منذ قرن، أن النظام متعدّد الأطراف لا يفي بالغرض في حالات الطوارئ مثلما هو الحال في النزاعات.

 

بالفعل، فقد استغرق دخول قافلة المساعدات الأولى إلى شمال غرب سورية ثلاثة أيام، في حين اعترف مسؤولو الأمم المتحدة بالفشل في عمليّات الاستجابة التي قاموا بها. بعد ذلك، احتاجت الولايات المتحدة إلى أسبوع كاملٍ لتدعو إلى التصويت في مجلس الأمن لفتح معابر حدودية جديدة لإيصال المساعدات إلى سورية.

وفي الوقت الذي أرسلت فيه الأمم المتحدة طائرات محمّلة بمساعدات إلى دمشق، تجدر الإشارة إلى أن المناطق التي يسيطر عليها النظام لم تتضرّر من الزلزال بقدر المناطق التي يسيطر عليها المتمرّدون. ففي شمال غرب سورية، سجّل عدد القتلى والجرحى تقريبًا ثلاثة أضعاف العدد في المنطقة الخاضعة لسيطرة النظام، مع أكثر من 4,300 حالة وفاة و7,600 إصابة في شمال غرب البلاد، وأكثر من 1,400 حالة وفاة و2,300 إصابة في مناطق النظام.  ومن المرجّح أن تكون هذه الأرقام أقلّ من العدد الدقيق، إذ أنّ عددًا كبيرًا من السكان لايزال عالقًا تحت الأنقاض.

صحيحٌ أنّ الولايات المتحدة لم تعترض على الأشكال المتعدّدة للمساعدات التي قدّمتها الدول العربية للحكومة في دمشق، غير أنها لم تمارس ضغوطًا قويّةً لتسهيل إيصال المساعدات بشكل متساوٍ إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. لا شكّ أنّ هذا الوضع يزيد الأمر سوءًا بالنسبة إلى سكان شمال غرب سورية، بعد عقدٍ من استغلال نظام الأسد للمساعدات، إذ كان يشهرها سلاحًا في حربه ضدّ المعارضة.

وأظهر النظام الدولي أيضًا عدم مرونته في الاستجابة الفاشلة للزلزال في سورية. والأطراف المحلية الفاعلة إذ هي تؤدي وظيفة أول المسعفين في اعقاب الكوارث، ما بات يشكّل قاعدةً عامة تُطبّق في مرحلة الإغاثة التي تلي وقوع الكوارث. وخير دليلٍ على ذلك هو الوضع في شمال غرب سورية.

إلا أن فشل المجتمع الدولي في الاستجابة السريعة لحالة الطوارئ في شمال غرب سورية، قد أدّى أيضًا إلى عرقلة الجهود التي تبذلها الأطراف المحلية إذ منعها من التصدّي بفعالية للكارثة. فبعد مرور أيّامٍ على الزلزال، كانت المنظمات المحلية، وفي مقدّمتها فرق الدفاع المدني السوري المعروفة باسم "الخوذ البيضاء"، تجري عمليات بحث وإنقاذ بأيديها العارية، من دون الاستعانة بالأدوات اللازمة. فلو أرسلت الأطراف الخارجية القليل من المساعدات على شكل معدّات مناسبة، لكان من الممكن إنقاذ المزيد من الأرواح. غير أن غياب منظومة الأمم المتحدة كان هو العنوان الأبرز في تلك الحالة.

ويوجد 20حوالي معبرًا حدوديًا بين تركيا وسورية، غير أنّ الاتفاق عبر الحدود يحصر عملية إدخال المساعدات في معبرٍ واحدٍ فحسب. أما الاتفاق الجديد، فينصّ على فتح معبرين حدوديّين إضافيين.

بغض النظر عن تجديد اتفاق إيصال المساعدات عبر الحدود، تحظى جميع وكالات المساعدات الإنسانية ومنظومة الأمم المتحدة بتفويض قانوني واضح يتيح لها تقديم مساعدات إنسانية غير مشروطة عبر الحدود من تركيا إلى سورية. في الأيّام القليلة الماضية، قدّمت المملكة العربية السعودية والكويت وقطر مساعدات إغاثية إلى شمال سورية، ما يدّل على أن العقبات التي تعترض المساعدات الدولية ليست لوجستية وغير مرتبطة بالأمن، بل تعود أساسًا إلى فشل الإرادة السياسية لدى "المجتمع الدولي "وإلى افتقاره للشجاعة الأخلاقية.

صحيح أنّ تلك الجهات الإقليمية الفاعلة في الأعمال الإنسانية كانت قادرة على إرسال المساعدات الإغاثية في أعقاب كارثة الزلزال، إلى شمال غرب سورية، إلّا أن هناك حاجة إلى آليات أكثر تطورًا وتنسيقًا في مجال الاستجابة لحالات الطوارئ، لأنها قد تحلّ مكان الآليات الدولية البطيئة وغير الكافية بشكل واضح.

تبرز حاجة ملّحة لمزيد من التنسيق على المستوى الدولي، بما في ذلك من خلال المنصات الحالية مثل مجموعة أصدقاء سورية، التي يمكنها تنسيق استجابات الدول العربية مع استجابات منظومة الأمم المتحدة. ويجب على المنظمات الحكومية الدولية الإقليمية، مثل مجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، تعزيز التنسيق على الصعيد الإنساني، وتطوير آليات مشتركة للاستجابة للكوارث.

في النهاية، يكمن الحلّ الأفضل طويل الأمد لتفادي وقوع خسائر في الأرواح بهذه الأعداد في الكوارث المستقبلية، في استثمار الدول العربية في القدرات المحليّة، وبناء أنظمة استجابة قوية وسريعة تتصدّى للكوارث على مستوى المنطقة.