​تم نشر تقدير الموقف في الأصل على موقع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات


أعلن رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، السنغالي عبد الله باتيلي، في 16 نيسان/ أبريل 2024، استقالته من مهمته التي تسلّمها في 2 أيلول/ سبتمبر 2022، خلفًا للأميركية ستيفاني ويليامز. وتأتي استقالته في خضم تصاعد التجاذبات الإقليمية والداخلية بشأن الأزمة الليبية، وفشل المبادرات الهادفة إلى إجراء انتخابات عامة تنهي حال الانقسام والتشظي المؤسساتي التي تشهدها البلاد منذ عام 2014.

أولًا: أسباب الاستقالة

بدا واضحًا في نص الإحاطة التي قدّمها باتيلي إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وضَمنَّها استقالته، أنه يحمّل مسؤولية الفشل الذي آلت إليه مساعيه في جمع الفرقاء الليبيين حول طاولة المصالحة الوطنية، وإنهاء انقسام السلطة التنفيذية، وتنظيم انتخابات عامة، إلى "الأطراف المؤسسية الفاعلة الرئيسة"[1]، التي تعاملت مع محاولاته بـ "لامبالاة" بمصالح الليبيين، و"إصرار على تأخير الانتخابات". ولم يستثن أيًّا من القائمين على الأجسام السياسية والعسكرية في ليبيا، فقد اتهم رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة بعرقلة تنظيم الحوار، الذي دعا إليه من خلال "وضع شروط مسبقة تتطلب إعادة النظر في القوانين الانتخابية"، والمطالبة بـ "اعتماد دستور جديد شرطًا مسبقًا للعملية الانتخابية"، واتهم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح باحتكار السلطة التشريعية، رغم أنّ "مجلس النواب قد انتُخب عام 2014، أي قبل عشر سنوات، ومن ثم، فإنّ فترة ولايته قد انقضت، مثله مثل باقي المؤسسات الانتقالية الحالية". أما عن اللواء المتقاعد خليفة حفتر، فرأى باتيلي أنه "يضع شرطًا لمشاركته إما دعوة الحكومة المدعومة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد، وإما إلغاء دعوة السيد الدبيبة، أي استبعاد الحكومتين"؛ وهو الشرط الذي يراه باتيلي غير واقعي، إضافةً إلى أنّ "تخصيص مقعد منفصل على الطاولة للحكومة المدعومة من مجلس النواب من شأنه أن يضفي الطابع الرسمي على الانقسامات في ليبيا".

وبرر باتيلي تخصيص الأطراف الخمسة، حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي ومجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والجهاز العسكري التابع لحفتر، بالدعوة إلى الحوار "بغية حلّ جميع المسائل موضع الخلاف"، بأنّه "مبنيّ على قراءة موضوعية للمشهد الليبي"، و"يعكس الشكل الحالي للقوى على الأرض". واعتبر أنّ الاجتماعات والمبادرات التي تجري خارج مظلة البعثة وتستثني بعض الأطراف "تسهم في تعقيدات لا داعيَ لها"، في إشارة إلى الاجتماع الذي عقده كل من رئيس المجلس الرئاسي ورئيس المجلس الأعلى للدولة ورئيس مجلس النواب في القاهرة، برعاية جامعة الدول العربية، في 10 آذار/ مارس 2024، من دون حضور رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة[2].

ثانيًا: مشهد داخلي متشظٍّ

جاءت استقالة مبعوث الأمم المتحدة باتيلي على خلفية ظروف سياسية وأمنية واقتصادية معقدة تتقاطع فيها الانقسامات الداخلية والتدخلات الإقليمية والدولية. سياسيًا، رغم توافق المشاركين في ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف على اختيار عبد الحميد الدبيبة لتشكيل حكومة موحدة تمكنت من نيل ثقة مجلس النواب، في 10 آذار/ مارس 2021، عاد الانقسام الحكومي مجددًا، في إثر سحب البرلمان الثقة من حكومة الدبيبة ومنحها لحكومة فتحي باشاغا[3]، ثم لحكومة حماد؛ لتنقسم إدارة البلاد، تبعًا لذلك، بين حكومتين؛ حكومة معترف بها دوليًا في طرابلس والمنطقة الغربية، وأخرى موازية في المناطق الخاضعة لسيطرة حفتر في الشرق وأجزاء من الجنوب وبعض الجيوب من المنطقة الوسطى (سرت)، لكل منهما أجهزتها الإدارية والتنفيذية والمالية والأمنية والعسكرية.

لم يقتصر الانقسام على الجهاز الحكومي، بل شمل اللجنة العسكرية المعروفة بـ "لجنة (5+5)"؛ التي جرى تشكيلها في إطار التوافقات التي توصّل إليها ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف مطلع عام 2021، وضمّت ممثلين عن المؤسستين العسكريتين في الشرق والغرب؛ بهدف صياغة خطة لتوحيدهما، غير أنها عجزت عن إحداث أيّ اختراق يُذكر في هذا الاتجاه. ورغم أنّ هذه اللجنة أدّت بعض الأدوار، في بداية عملها، لتثبيت وقف إطلاق النار الذي أعقب انكفاء قوات حفتر بعد فشلها في السيطرة على العاصمة والمنطقة الغربية عامَي 2019 و2020، فإنّ عملها لم يشهد أيّ تقدّم بخصوص توحيد المؤسسة العسكرية....


يمكنكم قراءة الورقة كاملة على موقع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.