​تم نشر تقدير الموقف في الأصل على موقع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

شنّت إيران، في فجر 14 نيسان/ أبريل 2024، أول هجوم مباشر من أراضيها ضد إسرائيل، اشتمل على نحو 120 صاروخًا باليستيًّا، و36 صاروخ كروز مجنح، و170 طائرة مسيّرة؛ ردًّا على استهداف طائرات إسرائيلية، في 1 نيسان/ أبريل 2024، القنصلية الإيرانية في دمشق، ما أدى إلى مقتل سبعة ضباط من الحرس الثوري الإيراني، بمن فيهم مسؤول فيلق القدس في سورية ولبنان محمد رضا زاهدي. وقد استهدف الهجوم الإيراني قاعدتين جويتين جنوب إسرائيل، على نحو غير بعيد عن مفاعل ديمونة النووي. وتبيّن، بخلاف ما ادعته الرواية الرسمية الإسرائيلية، أن 9 صواريخ، أصابت القاعدتين الجويتين المستهدفتين، وأنّ 5 منها سقطت في قاعدة نيفاتيم[1]. وأشارت تقارير أولية إلى أن ثمن التصدي الإسرائيلي للهجوم الإيراني بلغ 2 مليار شيكل[2]، في حين أشارت مصادر أخرى إلى أن تكلفته بلغت ما بين 4 و5 مليارات شيكل (يعادل الدولار الأميركي 3.76 شيكل)[3].

ارتباك استراتيجي

جاء الهجوم الإيراني المعلن مسبقًا والمحسوب، في فترة تعيش فيها إسرائيل حالة ارتباك استراتيجي نتيجةً لاستمرار تورطها في حرب الإبادة التي تشنها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، من دون أن تحقق أهدافها المعلنة: القضاء على حكم حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وعلى قوتها العسكرية في قطاع غزة، واستعادة المحتجزين الإسرائيليين. وهي تخوض مواجهة عسكرية مع حزب الله اللبناني منذ 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ولا تبدو في الأفق إمكانية لوقف هذه المواجهة إلا إذا أوقفت إسرائيل حربها على قطاع غزة. ولا يزال نحو 120 ألف إسرائيلي مهجّرًا من المناطق المحاذية لقطاع غزة في الجنوب، والمناطق المحاذية للحدود مع لبنان في الشمال. إلى جانب ذلك، تزداد حالة الارتباك في سياسة إسرائيل تجاه المشروع النووي الإيراني مع اقتراب إيران من الوصول إلى حالة "دولة العتبة النووية"، بحيث يكون لديها القدرة على إنتاج السلاح النووي في فترة وجيزة، إذا قررت ذلك. وكان بنيامين نتنياهو قد شجع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018، وكان يأمل أن ينتهي الأمر إلى استخدام الولايات الأميركية القوة العسكرية ضد المشروع النووي الإيراني، لكن هذا الرهان فشل. وقد فشلت كذلك حكومات نتنياهو المتعاقبة، منذ عام 2009، في تأمين القدرات العسكرية اللازمة لتنفيذ عملية عسكرية ناجحة ضد المنشآت النووية الإيرانية، إذا اقتضت الضرورة ذلك[4]. أضف إلى ذلك الصراع المحتدم في المجتمع الإسرائيلي بين المعسكر اليميني المتطرف والفاشي الذي يقوده نتنياهو والمعسكر المناوئ له بشأن الانقلاب القضائي الذي يسعى نتنياهو لتحقيقه، والذي جمّدته الحرب على غزة، ولكنها لم تؤدّ إلى إلغائه. إلى جانب ذلك كله، تزداد الضغوط على كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين بشأن تحمّل مسؤولية فشل 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. فقد استقال، في 22 نيسان/ أبريل 2024، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي (أمان)، أهرون هاليفا، من منصبه؛ بسبب إخفاقه في توقع عملية "طوفان الأقصى"، مُقرًّا بالمسؤولية الكاملة عن الإخفاق الأمني[5]. ومن المرجح أنّ لاستقالته علاقةً مباشرة بفشل جهازه في توقّع رد فعل إيران على الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق[6]. وفي اليوم الذي أعلن فيه عن استقالته، أبلغ الجنرال يهودا فوكس، قائد المنطقة الوسطى، رئيس الأركان، هرتسي هليفي، بأنه سينهي خدمته العسكرية في الجيش في آب/ أغسطس المقبل، بسبب عدم حصوله على مساندة كافية من رئيس الأركان[7]. ومن المتوقع أن يحذو حذو هاليفا، في الأشهر القليلة المقبلة، رئيس أركان الجيش، وقادة عسكريون وأمنيّون آخرون؛ ما يزيد الضغوط على نتنياهو وغيره من القادة السياسيين، بمن فيهم وزير الدفاع، بشأن تحمل المسؤولية أيضًا، وقد يدفع ذلك إلى إجراء الكنيست انتخابات مبكرة.

الرد الإسرائيلي واعتباراته

تشكّل داخل المؤسستين السياسية والعسكرية الإسرائيلية إجماع على ضرورة الرد على الهجوم الإيراني، بالرغم من معارضة الولايات المتحدة التي وفرت درعًا جويًّا اعترض معظم الصواريخ والطائرات الإيرانية التي استهدفت إسرائيل. فقد عقد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، في اليوم نفسه الذي شنّت فيه إيران الهجوم، اجتماعًا للمجلس السياسي الأمني لبحث الرد الإسرائيلي، وخوّل كابينت الحرب اتخاذَ القرارات فيما يخص كيفية تنفيذ الرد[8]. وبعد اجتماعات على مدى أربعة أيام، توافق أعضاء الكابينت على حجم الرد على الهجوم الإيراني وتوقيته[9].

ونفذت إسرائيل، في فجر 19 نيسان/ أبريل 2024، هجومًا محدودًا أصاب رادارًا إيرانيًّا بالقرب من مدينة أصفهان، من دون أن تتبناه رسميًّا. وأفادت وسائل إعلام أنّ الرادار المستهدف كان جزءًا من منظومة صواريخ أرض–جو إس 300، روسية الصنع، منصوبة بالقرب من مدينة أصفهان لحماية مواقع متصلة ببرنامج إيران النووي[10]...


يمكنكم قراءة الورقة كاملة على موقع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.