فلسطينيون يمرون أمام الدبابات الإسرائيلية في مدينة غزة خلال الهدنة، 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023. "أشعلت تصرفات إسرائيل موجة من الغضب بين الشباب في جميع أنحاء الشرق الأوسط." (فرانس برس)

تم نشر المقال في الأصل باللغة الإنجليزية على موقع Middle East Eyes

شهد هذا العام تحولات جيوسياسية وصراعات متصاعدة وكوارث مأساوية، جعلته عامًا مضطربًا وحافلًا بالأحداث بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط. وبينما نتأمل في الأحداث المضطربة لعام 2023، فمن المهم أن نفكر في ما قد يحمله العام المقبل لمنطقة الشرق الأوسط.

فخلال العام الماضي بدا أن التطورات السياسية الكبرى، وخاصة الاتفاق السعودي الإيراني وتسوية الوضع مع سورية والأسد، كفيلة بإعادة رسم سياسات المنطقة، وذلك مع انخفاض التوترات والفرص المتاحة لحل الصراعات التي طال أمدها. ومع ذلك، شهد عام 2023 أيضًا تصعيدًا للصراع، مع اندلاع القتال في السودان في نيسان/ أبريل، والعدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة منذ تشرين الأول/ أكتوبر.

علاوة على ذلك، تسببت سلسلة من الكوارث الطبيعية والبشرية، ولا سيما انهيار سد درنة في ليبيا والزلازل في تركيا وسورية والمغرب، في معاناة مدنية جسيمة، ونتج عنها مقتل ما يزيد على 53 ألف شخص.

لم يكن أي من هذه الأحداث الكبرى متوقعًا على وجه الخصوص، لكنها كانت لحظات حاسمة في المنطقة في عام 2023. وعلى الرغم من عدم القدرة على التنبؤ بالأحداث، فقد ظهرت بعض الاتجاهات الرئيسة التي من المرجح أن تؤثر على منطقة الشرق الأوسط بشكل ملحوظ مع اقترابنا من عام 2024.

غزة.. تحديات وقضايا تلوح في الأفق

أولًا، من المتوقع أن تستمر حملة التدمير الإسرائيلية المتواصلة في قطاع غزة في تكوين أجندة المنطقة حتى أوائل عام 2024. وقد أشار مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، إلى أن العملية قد تمتد عدة أشهر، وهو ما يشير إلى صراع طويل الأمد وغير متكافئ، من المرجح أن يحول القطاع إلى أنقاض.

وحتى في حال التوصل قريبًا إلى وقف إطلاق نار طويل الأمد، فإن القضايا الأساسية المتعلقة بغزة، ومن بينها الأمن والحوكمة، تظل بلا حل، وسوف تهيمن على المناقشات الإقليمية.

وعلى وجه الخصوص، فإن مسألة من يتحمل مسؤولية إعادة بناء غزة ستسيطر بقوة على المناقشات السياسية، حيث إن الدول العربية والجهات المانحة الغربية التي موَّلت في السابق إعادة الإعمار في أعقاب موجات متعددة من الدمار، ستواجه حتمًا مأزقًا كبيرًا حول ما إذا كانوا سيفعلون ذلك مرة أخرى.

وتمتد تداعيات هذه الحملة إلى ما هو أبعد من العواقب الجيوسياسية المباشرة. وكما أُبرز في منتدى الدوحة لعام 2023، فإن تصرفات إسرائيل، التي ترقى إلى مستوى العقاب الجماعي والجرائم ضد الإنسانية، أشعلت موجة من الغضب بين الشباب في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه، وهذا الشعور ليس مجرد رد فعل عابر بل هو رد فعل من المتوقع أن يتردد صداه سنوات، وربما عقودًا، ويؤثر من ثَم على المشهد الاجتماعي والسياسي في المنطقة.

وسواء في عام 2024 أو في السنوات المقبلة، فإن خط الصدع الديموغرافي والسياسي هذا سوف يساهم في نهاية المطاف في انهيار معاهدات السلام بين إسرائيل ودول عربية مختلفة، مثل مصر والأردن، حيث يكافح القادة الاستبداديون للإبقاء على خيط من التواصل مع عامة الشعب، الذي يناهض بحزم عمليات التطبيع.

تغير المشهد الجيوسياسي

ثانيًا، اتسم دور الأمم المتحدة في الشرق الأوسط، وخاصة في عام 2023، بإخفاقات ملحوظة، وهو ما يثير الشك في فعاليتها في المنطقة. وقد تجلت أوجه هذا القصور في عجز الأمم المتحدة عن تقديم استجابة فعالة للأزمة الإنسانية في أعقاب الزلزال الذي ضرب شمال غرب سوريا، وتقاعسها خلال الحملة الإسرائيلية الواسعة في قطاع غزة.

ولم تثر هذه الأحداث تساؤلات حول قدرة الأمم المتحدة على إدارة النزاعات الإقليمية فحسب، بل أثارت أيضًا تساؤلات حول صلاحيتها في المشهد الجيوسياسي المتغير.

واستجابة لهذه التحديات قد يشهد عام 2024 أولى الخطوات التدريجية نحو التعاون الإقليمي في منع الصراعات وإعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع. ومع تعثر آليات الحوكمة العالمية تدرك دول الشرق الأوسط على نحو متزايد الحاجة إلى حلول ذات جذور إقليمية.

ويتيح هذا التحول الاستقرار التدريجي للتوترات الإقليمية، ويسمح من ثم بنشوء أساليب تعاونية منسقة إقليميًّا تعتمد على الألفة الثقافية والقرب الجغرافي، ومن ثم تقديم بديل عملي للتدخلات الخارجية.

ومع ذلك، يجب أن تتغلب مثل هذه الحلول الإقليمية على تحديات الخلافات السياسية والصراعات التاريخية، التي تتطلب منصات جديدة للحوار والتعاون المنظمين.

ثالثًا: من المتوقع أن يتأثر المشهد الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2024 تأثرًا سلبيًّا شديدًا بتداعيات الأزمة في غزة.

وقد خفض صندوق النقد الدولي بالفعل توقعاته الاقتصادية لعام 2024 لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مشيرًا إلى التأثيرات الكبيرة على التجارة وثقة المستثمرين والسياحة. ويعد هذا الانكماش الاقتصادي حادًّا وخاصة في البلدان المتضررة من النزاعات والأزمات، مثل اليمن وسورية والسودان، التي لا تكافح من أجل حل النزاعات المستمرة فحسب، ولكنها تتصارع أيضًا مع التضخم المستشري واضطرابات سلاسل التوريد.

وتهدد هذه التحديات بتفاقم الفجوة الاقتصادية داخل المنطقة، مع احتمال تخلف هذه الدول عن الركب في الجهود الأوسع الرامية إلى التنويع الاقتصادي والاستقرار.

وفي هذا السياق، تخطو دول مثل المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة خطوات ملحوظة في التحول بعيدًا عن الاعتماد على النفط، مع التركيز على قطاعات مثل التكنولوجيا والرياضة والسياحة والطاقة المتجددة.

ومع ذلك، فإن التحدي الذي يواجه عام 2024 سيكون التغلب على هذه الرياح الاقتصادية المعاكسة مع ضمان أن تكون جهود التنويع شاملة ومستدامة. وسيكون نجاح هذه الاستراتيجيات عاملًا مهمًّا في تحديد المرونة الاقتصادية والنمو على المدى الطويل لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خاصة مع تحرك الاقتصاد العالمي المتزايد نحو الطاقة الخضراء والابتكار الرقمي.

التأهب للكوارث

وأخيرًا، أصبحت ضرورة إعطاء الأولوية للاستعداد لمواجهة الكوارث في الشرق الأوسط أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى ونحن نتطلع إلى عام 2024.

وقد سلط العام الماضي الضوء بشكل صارخ على هشاشة المنطقة، وخاصة في ظل الزلازل المدمرة التي ضربت شمال سوريا وتركيا والمغرب، والفيضانات الكارثية في ليبيا.

ولم تتسبب هذه الكوارث في إحداث أضرار إنسانية واجتماعية واقتصادية هائلة فحسب، بل كشفت أيضًا عن افتقار المنطقة إلى الاستعداد لمثل هذه الكوارث. وبناء عليه فإن حجم الدمار الذي شهده عام 2023 يمثل إنذارًا حاسمًا، وقد أبرز ضرورة أن تستثمر الدول العربية في التأهب للكوارث على نحو أكبر، ومن ذلك تطوير بنية تحتية قوية، وتعزيز أنظمة الإنذار المبكر، وتطبيق آليات فعالة للاستجابة لحالات الطوارئ.

ومع تزايد حدة تأثيرات تغير المناخ تزداد احتمالية حدوث مثل هذه المخاطر الطبيعية، وهو ما يحتم على المنطقة اعتماد استراتيجيات شاملة للتخفيف من حدة الكوارث.

وفي حين يتحول الاهتمام العالمي غالبًا إلى الصراعات الجيوسياسية، مثل التصعيد الأخير في غزة، يجب ألا نتغاضى عن أهمية الاستعداد للكوارث؛ إذ تشكل قدرة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على توقع الكوارث الكبرى والاستجابة لها والتعافي منها عاملًا رئيسًا في تحديد قدرتها على الصمود والاستقرار في المستقبل.

وبينما نتطلع إلى عام 2024 فإنه من الأهمية بمكان أن يوضع التأهب للكوارث على رأس جدول الأعمال الإقليمي، وذلك لضمان ترجمة الدروس الصعبة المستفادة من العام الماضي إلى استراتيجيات مستدامة ويمكن تنفيذها في المستقبل.