نظم مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني (CHS) بالتعاون مع الهلال الأحمر القطري (QRCS) والمركز الدولي للقانون الدولي الإنساني التابع لمنظمة دياكونيا (Diakonia IHL Center) ندوة عامة تحت عنوان "الحاجة إلى تمكين القانون الدولي الإنساني: آليات المساءلة والمراقبة"، وذلك في يوم الثلاثاء 13 أيار/ مايو 2025، في مقره. وضمت الندوة نخبة من الخبراء والمختصين في القانون الدولي الإنساني، شارك فيها كل من وستيفن ويلكنسون مدير مركز القانون الدولي الإنساني وميرا سعادة مديرة وخبيرة قانونية في مركز القانون الدولي الإنساني، وأدار الندوة الدكتور أيهم السخني، رئيس العلاقات الدولية والقانون الدولي الإنساني في الهلال الأحمر القطري.
تمحورت الندور حول موضوعين رئيسين هما: دمقرطة القانون الدولي الإنساني، وآليات المساءلة، مع التركيز على أهمية اعتماد مقاربات متكاملة لتحقيق العدالة والمساءلة القانونية. كما أولت الندوة اهتمامًا خاصًا بالانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي الإنساني في ظل النزاع المستمر في غزة.
واستعرض ويلكنسون، من واقع خبرته كممارس قانوني، الحالة الراهنة للقانون الدولي الإنساني، معربًا عن شعور عميق بالخزي إزاء ما آل إليه هذا الإطار، الذي يُنتهك بشكل متكرر دون أن تترتب على ذلك عواقب حقيقية. وأكد على ضرورة وجود آليات واضحة للمساءلة، مستشهدًا بالأنظمة القانونية الوطنية التي تُحدّد فيها الانتهاكات بوضوح، ويُقابل عدم الامتثال بعقوبات ملموسة. وإذ أقرّ بأن القانون الدولي الإنساني قد واجه تحديات في التطبيق منذ نشأته، أشار إلى أن بعض أركانه لا تزال تحظى بالاحترام، مما يفتح المجال للتساؤل عن السبل الممكنة لتعزيزه. وانتقد ويلكنسون ما وصفه بالرمزية الشكلية التي تطغى على مواقف العديد من الفاعلين السياسيين، ممن يمتلكون القدرة على فرض الامتثال، ولكنهم يتقاعسون عن التحرك. كما سلّط الضوء على الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في تكريس المعايير المزدوجة، مشيرًا إلى التغطية المكثّفة والمُؤطرة قانونيًا للحرب في أوكرانيا، مقارنةً بما اعتبره تهميشًا نسبيًا للقضية الفلسطينية. وخلُص إلى أن إطار القانون الدولي الإنساني لا يزال ضروريًا، إلا أن التباين في الاستجابات الدولية يبرز الحاجة الملحة إلى انخراط أوسع وأكثر تنوعًا في تطبيق هذا القانون.
في حين تطرقت سعادة إلى المعايير السياسية المزدوجة المتجذّرة التي تقوّض فعالية القانون الدولي الإنساني، متسائلة عن مدى صلاحيته وجدواه في ضوء الأحداث الأخيرة. واستشهدت باستخدام كلٍّ من روسيا والولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، بوصفه مثالًا على كيف أن المصالح السياسية كثيرًا ما تحول دون اتخاذ إجراءات فعّالة. كما وجّهت انتقادًا للأمم المتحدة، التي كانت، في رأيها، أكثر حزمًا واستجابة في أزمات أخرى، بينما اتّسم موقفها من غزة بالفتور وغياب الفاعلية. واختتمت سعادة مداخلتها بالتأكيد على أن ازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي الإنساني لا تعود فقط إلى طبيعة النزاعات، بل تتصل بصورة وثيقة بالمصالح السياسية، حيث تؤثر العلاقات الثنائية بين الدول على مدى تنفيذ القانون الدولي. وشدّدت على أن هذا التباين في المساءلة يعزز الحاجة المُلِحّة إلى التطبيق الجاد للقانون الدولي الإنساني، بما يضمن سريانه على جميع الدول وفقًا لما تنص عليه اتفاقيات جنيف.
واختتمت الجلسة بالتأكيد على أهمية اتخاذ خطوات فعّالة لتعزيز تطبيق القانون الدولي الإنساني، من خلال تفعيل آليات المساءلة والمراقبة، وتوسيع نطاق المشاركة في جهود الامتثال والتحرك الجاد نحو مساءلة الفاعلين عن الانتهاكات، دون انتقائية أو ازدواجية في المعايير، بما يضمن حماية الكرامة الإنسانية وتثبيت قواعد القانون في مواجهة تعقيدات النزاعات الراهنة.