تم نشر المقال في الأصل باللّغة الانجليزية على Informed Comment 

وفقًا لتقارير برنامج الأغذية العالمي (WFP) الصادرة في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر، فإن قرابة نصف السكان في شمال غزة قد وصلوا إلى "مستويات خطيرة من الجوع". ولا أحد تقريبًا يحصل على كميات كافية من الطعام، بل إن ما يحصلون عليه يوميًّا من السعرات الحرارية أقل من الحد الموصى به. وبينما كان 37 في المئة من سكان جنوب غزة قد وصلوا قبل بضعة أسابيع إلى مراحل خطيرة من الجوع، فإنه حتى من كانوا منهم حينئذٍ بحال أفضل نسبيًّا قد تدهور حالهم مع تصاعد القصف الإسرائيلي والعمليات البرية في خان يونس ومناطق أخرى.

وفي 7 كانون الأول/ ديسمبر، نشر برنامج الأغذية العالمي على موقع X أنه "ليس في غزة أحد تقريبًا لديه ما يكفي من الغذاء. حتى إن 9 من كل 10 أشخاص في بعض المناطق قضوا يومًا وليلة دون أن يأكلوا شيئًا".

ويحذِّر برنامج الأغذية العالمي، في منشورات أخرى، من أن "يفقد الأشخاص الذين يعانون سوء التغذية قدراتهم العقلية والبدنية مع مرور الوقت"، مع الإشارة إلى أن "نقص التغذية يضعف جهاز المناعة، وأن الأطفال الذين يعانون سوء التغذية هم الأكثر عرضة للإصابة بعدوى الأمراض الشائعة والأمراض مثل الحصبة والإسهال".

وقد نشر موقع الجزيرة قصة الطفلة جنى قديح، ذات الأربعة عشر عامًا، التي توفيت يوم الجمعة بعد أن قضت أيامًا دون طعام، إذ كانت تشرب الماء فقط. حيث دُفنت جثتها الهزيلة في قبر صغير في مدرسة طيبة الحكومية، التي لجأت إليها هربًا من الغارات الجوية الإسرائيلية العنيفة، المستمرة حتى الآن، والتي جعلت دفنها في المقبرة أمرًا مستحيلًا.

نشرت كورين فلايشر من برنامج الأغذية العالمي، يوم السبت، مقطعًا مصورًا لها في غزة تقول فيه: "انظروا إلى الناس؛ يكلموننا ويتوسلون إلينا لإحضار طعام أكثر، ومن المفجع أننا نمر إليهم عبر الحدود ونرى الطعام موجودًا على الجهة الأخرى دون أن نتمكن من إحضاره. لم نتمكن منذ بداية هذا الصراع إلا من إدخال 10 في المئة فقط من الكمية المطلوبة من الطعام لـ 2.2 مليون شخص في غزة. إن الصور أبلغ من الكلام. أمست غزة بعد أسبوعين من بدء الصراع خالية تمامًا من الطعام. نحتاج حتمًا إلى وقف إطلاق النار كي نتمكن من إحضار مزيد من الغذاء إلى الحدود بأمان، وليتمكن الناس أيضًا من الوصول إلى الغذاء بأمان. لقد سافرت إلى مناطق عدة خلال عملي على حالات الطوارئ لبرنامج الأغذية العالمي، مثل دارفور وسوريا وغيرها، لكن الحال هنا عصيٌّ على الوصف. هنا في غزة أتحدث إلى الأطفال وأراهم ما زالوا يبتسمون، لكنها ابتسامات صامتة وحزينة للغاية.. أشعر بحرقة في قلبي على حالهم".

ثم بعد أن غادرتْ، كتبت على X: "عائدةٌ الآن إلى القاهرة من غزة، وما زالت صور الخوف والإرهاق والجوع تسكن عقلي وقلبي".

أصبحت السويسرية فلايشر المديرة الإقليمية لبرنامج الأغذية العالمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في أواخر عام 2020.

وقالت إن الطريقة الوحيدة كي يتمكن برنامج الأغذية العالمي من مواجهة المجاعة وإيصال الغذاء إلى الناس هناك هي وقف إطلاق نار فوري لأسباب إنسانية، وفتح مزيد من نقاط العبور الحدودية (إذ إن جميع المعابر الحدودية مغلقة باستثناء معبر رفح في أقصى الجنوب، وبصعوبة بالغة يمكن إدخال الشاحنات عبر معبر رفح أيضًا).

ونشر سامر عبد الجابر، المدير القُطري لبرنامج الأغذية العالمي في فلسطين، على موقع X، حول الوضع في غزة، قائلًا: إن "العائلات تعاني من اليأس والإرهاق والجوع، والناس يعيشون في ملاجئ مكتظة ولا يمكنهم اللجوء إلى مكان آخر. وقد مر حتى الآن شهران من المعاناة المتواصلة".

ونشر أيضًا مقطعًا صوره عندما كان في خربة العدس في غزة قال فيه: "استغرقنا خمس ساعات للوصول إلى هنا من رفح. تنتابني مشاعر غريبة، سعيدٌ لأنني التقيت بفريقي، لكني أشعر أنهم أشخاص مختلفون تمامًا بعد كل الإرهاق الذي عاشوه خلال أحداث الأسابيع الماضية. لقد انقضت ثمانية أسابيع صعبة. أشعر أن لديهم القدرة والعزيمة... أنظر إلى الناس وأراهم كلهم يبحثون عن بصيص أمل. أتمنى أن... أعني أن دخول المساعدات سيمنح الناس قليلًا من الأمل. وفي الوقت نفسه، أتمنى أن يتوقف إطلاق النار؛ فالناس منهكون.. إنهم بحاجة إلى الشعور بالأمن والأمان. تنتابني مشاعر لا أستطيع وصفها.. هذه ليست غزة التي أعرفها".

إن معاهدة روما - التي بُنيت على أساسها محكمة الجنايات الدولية - تحظر استخدام التجويع كسلاح حرب:

تنص المادة 8 (2) (ب) (25) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 على أن "الاستخدام المتعمد لتجويع المدنيين كأسلوبٍ حربي مثل حرمانهم من المواد الأساسية لبقائهم" يُعدُّ جريمة حرب في النزاعات المسلحة الدولية.

(النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي اعتمده مؤتمر الأمم المتحدة الدبلوماسي للمفوضين لتأسيس محكمة الجنايات الدولية، روما، 17 تموز/ يوليو 1998، وثيقة الأمم المتحدة A/CONF.183/9، المادة 8 (2) (ب) (الخامس والعشرون).