اليمن - "بأيديهم: النساء على ملكية السلام" - علا الأغباري | المصدر: صور الأمم المتحدة / هبة ناجي
واجه اليمن حربًا أهليةً مدمرة اتخذت طابعًا دوليًّا على نطاقٍ واسع، وأزمةً إنسانية حادة استمرت ثماني سنوات. وبلغ عدد من هم بحاجة إلى المساعدة الإنسانية أو الحماية في اليمن 21.6 مليون شخص، في عام 2023، ويتلقى 10.5 ملايين شخص فقط مساعدات فورية أساسية لنجاتهم كل شهر. ومن الضروري اتخاذ إجراءاتٍ عاجلة لتجنب حدوث مجاعة وشيكة على نطاق واسع، حيث تواجه البلاد، في عام 2023، نقصًا حادًّا في الغذاء، وانخفاضًا في المساعدات الغذائية، فضلاً عن زيادة أسعار السلع الأساسية، والصعوبات الاقتصادية، إلى جانب العديد من أزمات الصحة العامة. وفضلًا عن ذلك تواجه خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن شحًّا كبيرًا في التمويل، حيث تم تأمين20.2 في المئة فقط من التمويل المطلوب بحلول نيسان/ أبريل 2023. وفي ضوء هذه الاحتياجات من الضروري استكشاف خيارات السياسات المتاحة لتحسين فعالية الاستجابة الإنسانية في اليمن.
تقدّم هذه المقالة دراسةً تحليليةً للتوطين بوصفه خيارًا لتعزيز الاستجابة الإنسانية في اليمن.
في عام 2016، أطلق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UN OCHA) أول خطة استجابة إنسانية في اليمن، استجابةً لتسارع تدهور الوضع الإنساني هناك. وفي العام نفسه، التزم المجتمع الإنساني العالمي بإضفاء الطابع المحلي على الاستجابة الإنسانية، في القمة العالمية للعمل الإنساني التي تنظمها الأمم المتحدة، في تركيا. وعلى الرغم من مرور ثماني سنوات من الصراع، والمساعدات الدولية المكثفة، فليس هنالك مؤشرات واضحة على تحول كبير نحو التوطين الحقيقي في اليمن، ومن ثم فعلى الجهات الفاعلة، المحلية والإقليمية والدولية، إعادة النظر في نهجها في ذلك البلد، وإعادة الالتزام بالتوطين الحقيقي، بما يتيح تمكين الجهات الفاعلة المحلية وتعزيز الاستدامة.
تقييم الاستجابة الإنسانية الدولية في اليمن
تلقى اليمن في أزمته، التي صُنفت على أنها "أسوأ أزمة إنسانية في العالم"، مساعدات إنسانية كبيرة، لا سيما بعد تصنيفها حالة طوارئ من المستوى الثالث، من 2015 إلى 2022. وشهدت استجابة المساعدات الدولية في اليمن، بقيادة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، بروز جهات مانحة غير تقليدية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بوصفهما أكبر المساهمين. وفي المقابل فقد واجهت العملية الإنسانية واسعة النطاق جملة من المعوقات، من بينها انعدام الأمن، وضعف القدرة على إيصال المساعدات، فضلًا عن ضعف المنظومات الحكومية المحلية المجزأة، وقد رسمت هذه العوامل مجتمعةً ملامح سياسة وممارسات الجهات الفاعلة الإنسانية.
وبالنظر إلى هذه المعطيات والتشعبات، أدركت منظمات الإغاثة الدولية العاملة في اليمن أهمية وضرورة وجود شركاء محليين قادرين على تقديم مساعدات فعالة، وهو ما يتماشى مع توجه عمال الإغاثة اليمنيين، إذ لطالما كانت المجتمعات المحلية أول المستجيبين لحالات الطوارئ في البلاد، مع حضور أكبر بكثير على الأرض مقارنة بالمنظمات الدولية. وأدركت هذا الواقع بعض الجهات الفاعلة الإنسانية الدولية في اليمن، مثل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، الذي أشاد بإمكانات الجهات الفاعلة المحلية في الاستجابة الإنسانية وأثنى عليها، مشيرًا إلى أنهم "يمتازون بالمعرفة والحضور المحلي".
وكان للاستجابة الإنسانية في اليمن دور مهم مهمفي إنقاذ الأرواح وتلبية احتياجات ملايين اليمنيين على مدار السنوات الثماني الماضية. ومن أبرز إنجازاتها منع الانهيار التام للاقتصاد اليمني وأنظمة الخدمات الأساسية، ومن بينها الصحة والتعليم، وتقليل خطر سوء التغذية ولو جزئيًّا. وبالمقابل، تشمل أوجه القصور في الاستجابة الإنسانية لليمن عدم شمول المناطق المعرضة للخطر على نحو كافٍ، والقصور في توفير البيانات والمساءلة على نحو فعّال، فضلًا عن نقص معايير الاستدامة وضعف فهم السياق اليمني. وقد وصف تقرير لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ذلك بأنه "أسوأ استجابة دولية لأزمة إنسانية".
ويسلط تقرير التقييم الإنساني المشترك بين الوكالات (IAHE) الضوء على أوجه القصور المتعلقة بتوطين استجابة المساعدات اليمنية، موضحًا أن من بينها عدم كفاءة التمويل، وارتفاع تكاليف التشغيل، وسوء نوعية المساعدات، فضلًا عن عدم التشاور الكافي مع السكان المتضررين، ونقص الاستثمار في المنظمات غير الحكومية المحلية، ونقص المشاريع طويلة الأجل ودعم سبل العيش. إحدى النتائج الرئيسة التي توصل إليها أن نظام المساعدات الدولية فشل في الاستثمار الاستراتيجي في التوطين باليمن. وقد ساهم التقرير في إعادة التفكير في موضوع المساعدات في ذلك البلد، ونتيجة لذلك يقوم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، وغيره من الجهات المعنية، بصياغة استراتيجية توطين جديدة إلى جانب مبادرات أخرى تستهدف تعزيز العمليات الإنسانية.
ومن الضروري عند تطوير استراتيجية جديدة أن يولي نظام المساعدات الدولية الأولوية للتوطين، وتمكين الاستجابات المحلية في شراكة متساوية مع المنظمات غير الحكومية اليمنية ومنظمات المجتمع المدني. وتستهدف هذه المقالة المساهمة في حوار السياسات داخل المجتمع الإنساني والتنموي المعني باليمن خلال إعادة رسم ملامح منهجية المساعدة.
النتائج المحققة في مجال التوطين باليمن
على الرغم من اعتراف الجهات الفاعلة الدولية والمحلية بأهمية التوطين فإن التقدّم الذي أُحرِز في هذا المجال منذ عام 2015 لا يرقى إلى مستوى التوقعات. ويمكن تتبع التقدم المحرز في توطين الاستجابة الإنسانية من حيث التمويل وتنمية القدرات وعلاقات القوة.
أولًا، ثمة بعض التقدم في مجال التوطين من حيث التمويل. ومن الضروري توضيح مدى صعوبة تتبع تمويل المساعدات الإنسانية في حالات النزاع، وهي مشكلة شائعة تقرّ بها وكالات الأمم المتحدة، بسبب عدة عوامل، مثل تأخر التقارير، وتعدُّد أنظمة إعداد التقارير المالية. وهذا ما كان عليه حال اليمن، وخاصة مع عدم وجود نظام مركزي لتتبع أموال المساعدات الإنسانية خارج النداءات الإنسانية الرسمية. ومع ذلك تشير البيانات المتاحة من خدمة التتبع المالي (FTS) التابعة لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، إلى أنه منذ اندلاع الحرب في عام 2015 أعلنت الجهات المانحة تقديم ما يقارب 20 مليار دولار من المساعدات الإنسانية، مع وصول 14.3 مليار دولار من المساعدات الإنسانية.
وفيما يتعلق بالتمويل الإنساني وحده، هناك بعض الإنجازات المهمة في استجابة المساعدات اليمنية. وبرز التوطين بوصفه ركيزة أساسية لمبادرة "الصفقة الكبرى" في القمة العالمية للعمل الإنساني في عام 2016، حيث التزم نظام المساعدات الدولية بزيادة الدعم والتمويل للمستجيبين المحليين والوطنيين، من خلال توجيه 25 في المئة من التمويل الإنساني العالمي إلى الجهات الفاعلة الوطنية بشكل أساسيّ. وتجدر الإشارة إلى أنه من 2015 إلى 2021، زاد التمويل للمنظمات غير الحكومية الوطنية، حيث وصل إلى ذروته في عام 2017 بمبلغ 51.4 مليون دولار (40.8 في المئة من صندوق التمويل الإنساني في اليمن عام 2017) ثم انخفض إلى 26.7 مليون دولار في عام 2021 (24 في المئة من صندوق التمويل الإنساني في اليمن عام 2021). ويتماشى مستوى التمويل عامة مع التزامات مبادرة "الصفقة الكبرى" بتمويل الجهات الفاعلة الإنسانية المحلية مباشرةً، بما لا يقل عن 25 في المئة من إجمالي المساعدات.
وفي حين أنّ هذا الأمر يُعد إنجازًا كبيرًا من حيث نقل الموارد، فإن وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية لا تزال تحصل على معظم التمويل الإنساني لليمن؛ وهو ما يجعلها الجهات الفاعلة الإنسانية الأكثر تمكينًا في الدولة على الرغم من وجود حوالي 65 منظمة غير حكومية محلية نشطة في اليمن. كما يختلف تخصيص النسبة المئوية للجهات الفاعلة المحلية اختلافًا كبيرًا من عامٍ إلى آخر، وهو ما قد يخلق عقبة أمام استدامة العمليات الفعالة وتنمية القدرات المحلية. وعلاوةً على ذلك، فإنه من الخطأ تحديد نجاح التوطين من حيث نقل الموارد فقط.
ثانيًا، التوطين من حيث تنمية القدرات؛ أفادت المنظمات غير الحكومية المحلية بزيادة جهود التدريب وبناء القدرات منذ عام 2015، وهو ما يساهم في إنجاز عمليات أكثر فاعلية واستدامة. إلا أنّ هناك حاجة إلى مزيد من العمل لمعالجة الفجوات الحالية وزيادة تمكين المنظمات المحلية. كذلك يوجد طلب كبير على التطوير والدعم الفني لتوفير المواد وتدريب الشركاء، وإيجاد الفرص لبناء القدرات في الخارج، وتقديم دورات مجانية عبر الإنترنت حول المعايير والسياسات وآليات التشغيل. وأكد الأشخاص الذين جرت مقابلتهم أن إشراك المنظمات غير الحكومية المحلية في عمليات صنع القرار وتخصيص توجهات التمويل أمر بالغ الأهمية لتعزيز تطوير مشهد العمل الإنساني بما يتماشى مع تنوع السياقات ووجهات النظر في اليمن.
ثالثًا، من حيث العمليات وعلاقات القوة فإن النتائج في مجال توطين الاستجابة الإنسانية في اليمن كانت أكثر سلبية. وكشف مقالنا الصحفي الأخير دليلًا منهجيًّا على المعوقات والفرص المتاحة أمام نهج أكثر توطينًا للاستجابة الإنسانية في اليمن. وتكشف إحدى النتائج الرئيسة أن المنظمات غير الحكومية المحلية في اليمن حققت بعض التقدم، منذ عام 2015، نحو التوطين من حيث بناء القدرات والتدريب وتوفير عمليات نقل الموارد، إلا أنّ هناك إجماعًا واسع النطاق على عدم تحقيق التوطين الفعلي بوصفه تحولًا في القوّة التي تمكّن الجهات الفاعلة المحلية من أداء دور قيادي في الاستجابة الإنسانية.
تبحث هذه الورقة في مجموعة أسباب لفشل تغيير علاقات القوة. فبدايةً، ترى العديد من المنظمات غير الحكومية الدولية وموظفي الجهات المانحة أن الشركاء المحليين يفتقرون إلى القدرة التقنية اللازمة للقيام بدور قيادي محوري في مجال العمل الإنساني. ثانيًا، يواجه الموظفون الدوليون والمحليون مخاطر أمنية ويعملون في مناطق يصعب الوصول إليها؛ إلا أن الموظفين الدوليين يتمتعون بحمايةٍ قانونيةٍ وتقنيةٍ وسياسية أكثر من الموظفين المحليين ممن يواجهون قيودًا صارمة على حركتهم. ثالثًا، تعد علاقات القوة غير المتكافئة المتأصلة بعمق بين الجهات الفاعلة الدولية والمحلية كبيرة جدًّا، لدرجة أنّ التغييرات الطفيفة لن يكون لها تأثير ملحوظ في الديناميكيات العامة.
خاتمة
إن التحول نحو استجابة بقيادة محلية فعلية في اليمن ليس أمرًا مهمًّا وحسب، بل ضروري جدًّا؛ نظرًا إلى طول أمد النزاع، والوضع الإنساني الذي يزداد قسوة أكثر من أي وقت مضى. ويتطلب تحقيق هذا التحول عددًا لا يحصى من التغييرات على جميع المستويات، ولمختلف الجهات المعنية؛ بدءًا من الجهات الفاعلة المحلية والوطنية إلى الجهات المانحة والمجتمع الدولي. وتتحمل الجهات الفاعلة الدولية، على وجه الخصوص، مسؤولية إشراك الجهات المحلية الفعلي، وتعزيز قدراتهم، وتحويل التمويل الإنساني إلى المستوى المحلي قدر الإمكان. كذلك يجب أن يكون للمنظمات غير الحكومية الدولية في اليمن تمثيل يمني ملائم في المواقع العليا، من أجل تمكين المزيد من الشراكات المتكافئة بين الموظفين المحليين والدوليين. علاوة على ذلك، يجب عليهم توظيف امتيازاتهم لمساعدة الجهات الفاعلة المحلية على تحقيق وصول أكبر، من خلال توسيع مدى إيصال المساعدات إلى المناطق البعيدة عن متناولهم عادةً. ويمكن لهذه الجهود المتسقة والمنسقة أن تمهد الطريق لاستجابة إنسانية محلية مستدامة وفعالة في اليمن، وهو ما يعزز الجهود المحلية عند الاستجابة بفعالية للاحتياجات الملحة للدولة.