عقد مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني، بالتعاون مع معهد الدوحة للدراسات العليا، يوم الأحد 22 أيلول/ سبتمبر 2024، جلسة نقاشية تحت عنوان: "التعليم والهوية في أوقات النزاعات: التجربة السورية"، في قاعة السمنار في مقر المركز.
شارك في أعمال الجلسة الدكتور ياسين جمول، رئيس جامعة المعالي الخاصة وباحث متخصص في الشأن السوري، وأدار الحوار الدكتور إبراهيم الخطيب، الأستاذ المساعد في برنامج إدارة النزاع والعمل الإنساني في معهد الدوحة.
سلطت الجلسة الضوء على التطورات التي شهدتها سوريا فيما يخص القضايا المتعلقة بالهوية الناشئة عن النظام التعليمي والممارسات المرتبطة به، والتي تبرز تسييس الهوية من خلال التعليم. وأشار د.ياسين في حديثه عن سوريا إلى أن الاستعمار الناعم أو التدخل الأجنبي يعد أحد العوامل الرئيسة في تشكيل الهوية، المتجسدة في مختلف جوانب الحياة، ومن ضمنها التعليم والدين والمجتمع والسياسة. ويتجلى هذا التأثير بوضوح- وفق ما يرى- في إدخال عناصر روسية وتركية وإيرانية في النظام التعليمي، مثل تعليم لغاتهم، ما يعكس نفوذ هذه القوى في البلاد.
تطرقت الجلسة أيضًا إلى الصعوبات والتحديات التي تواجه مسألة بناء الهوية الوطنية السورية عبر النظام التعليمي. ورغم أن الهوية قد تُستخدم أداةً لحل النزاعات فإن هناك مخاطر كبيرة عندما تُستغل لتحقيق أهداف سياسية، فيجب النظر إلى التعليم بوصفه وسيلة لبناء السلام وتعزيز الاستقرار.
وأشارت الجلسة إلى أن النظام التعليمي في سوريا يواجه تحديات هائلة؛ إذ يُحرم مئات الآلاف من الطلاب، في مختلف المستويات التعليمية، من حقهم في التعليم، ومما يفاقم هذه المشكلة انتشار الفقر، الذي يشكل عبئًا كبيرًا على السوريين، حيث يعجز كثيرون عن تأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة.
إضافة إلى ذلك، يعاني النظام التعليمي نقصًا حادًّا في تأهيل المعلمين وتجهيزهم للقيام بدورهم، كما يتضح من استهداف المدارس والجامعات في حلب، حيث استغلت الجماعات المسلحة المؤسسات التعليمية لأغراضها الخاصة، وهو ما زاد الوضع سوءًا. كما أدى نزيف العقول الناتج عن هجرة الملايين من السوريين، خاصة المهنيين والمثقفين، إلى مزيد من التدهور في النظام التعليمي، ما حرم البلاد من موارد فكرية ومهنية ضرورية لتجاوز هذه الأزمة.
في هذا السياق، شدد المتحدث على أهمية التعليم في مواجهة هذه التحديات، مشيرًا إلى أن التعليم كان ضحية للصراع، وهو في الوقت نفسه يمكن أن يكون الحل لإعادة بناء الهوية السورية وإعادة تشكيلها. فمن خلال توفير سبل لنيل شهادات أكاديمية رسمية للطلاب، يمكن إتاحة فرص لهم لتحقيق مستقبل مهني واجتماعي كريم، وهو ما يعزز من فرصهم في الحياة، إذ إن التعليم لا يقل أهمية عن الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والماء؛ فهو الأساس الذي يمكن أن يُبنى عليه حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعصف بالبلاد.
وفي هذا السياق أوضح جمول أن التعليم يمثل بصيص الأمل في ظل الظروف المأساوية التي تعيشها سوريا، حيث يمكن أن يقدم التوجيه والإرشاد اللازمين للخروج من هذا الوضع المتأزم. وأنه لتحقيق مستقبل أفضل يجب أن يكون هناك التزام بتعليم السكان باستمرار، مع التركيز على تحفيز الناس من جميع الأعمار على متابعة التعليم، وزيادة الفرص المتاحة للنساء والفتيات في مختلف المجالات. كما يجب تعزيز ثقافة تقدير التعليم، ومنح المعلمين والمدرسين الحقوق والاعتراف الذي يستحقونه، فضلًا عن التعاون مع مختلف المنظمات والمؤسسات، مثل دور الأيتام وغيرها، بحيث يكون عنصرًا أساسيًّا في تعزيز النظام التعليمي.
وخلص المتحدث إلى أن سوريا بحاجة إلى مهارات وتدريب مناسبين، وإلى آليات تعليمية قائمة على مبادئ الديمقراطية والحوار بدلًا من الجهل والعنف.
وفي ختام الجلسة، أتيحت الفرصة للحضور للتعبير عن آرائهم وأفكارهم، وتقديم مداخلاتهم، وطرح الأسئلة المتعلقة بتسييس التعليم والهوية في السياق السوري. وقد أسهمت هذه المداخلات في إثراء النقاش حول هذا الموضوع الحيوي، وساهمت في تبادل الخبرات بين المشاركين. هذا التفاعل عزز فهم أهمية الهوية الوطنية السورية، وما يمثله تأسيس نظام تعليمي مستقل من أهمية في إعادة بناء البلاد، وهو ما يمهد الطريق لمعالجة القضايا المركزية بحلول أكثر شمولية وفعالية.