تم نشر المقال في الأصل باللغة الإنجليزية على موقع MEMO Middle East Monitor

ترتبط حقوق الإنسان والعمل الإنساني ارتباطًا وثيقًا، حيث يهدف كل منهما إلى تخفيف المعاناة وتعزيز رفاهية الفئات المتضررة، وإن كان ذلك من خلال مناهج مختلفة. وعلى عكس العمل الإنساني، الذي يقتصر على الأزمات الإنسانية مثل النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية، فإن حقوق الإنسان قابلة للتطبيق في جميع الأوقات، سواء في أوقات السلم أو أثناء الأزمات.

وتُعد أزمة السودان، التي هي واحدة من أشد أزمات حقوق الإنسان والأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث، مهملة على العديد من المستويات. ويتجلى هذا الإهمال في الافتقار إلى الاستجابة الدولية للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والوضع الإنساني المتردي في البلاد. وهذا ما يدفعنا إلى إعادة النظر في العلاقة بين حقوق الإنسان والعمل الإنساني في سياق الأزمات.

وعلى الرغم من تقاسم كلا المجالين هدفًا مشتركًا يتمثل في تعزيز رفاهية الإنسان، فإن منظمات حقوق الإنسان والجهات الفاعلة في المجال الإنساني تستخدم استراتيجيات مختلفة، يمكن تصنيفها عمومًا على أنها جهود تقنية وعملية على التوالي، لذلك هناك حاجة ملحة للتأكيد على التطبيق الشامل لحقوق الإنسان في السياقات المتأثرة بالأزمات مثل السودان من خلال العمل الإنساني. وبناء عليه، فإن العلاقة التكاملية بين هاتين القوتين اللتين تركزان على الإنسانية، حيث توجه حقوق الإنسان العمل الإنساني، يمكن أن تعمل في نهاية المطاف على تحسين حياة الناس في السودان ومناطق أخرى مشابهة.

وقد أسفر النزاع السوداني في عام 2023 عن أزمة حادة في مجال حقوق الإنسان، حيث تسبب في نزوح عشرة ملايين شخص، وحدوث انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بسبب التطهير العرقي، ونظام الصحة المدمر، وانقطاع الإنترنت والاتصالات، وانعدام الأمن الغذائي في البلاد. وقد أدى الوضع الإنساني الكارثي إلى احتياج 25 مليون سوداني إلى مساعدات إنسانية، أي إن أكثر من نصف السكان في السودان يعتمدون على المساعدة للبقاء على قيد الحياة.

وتجب الإشارة إلى أن انتهاكات حقوق الإنسان والأزمة الإنسانية في السودان يغذي بعضها بعضًا، وهو ما يخلق حلقة مفرغة من المعاناة. ومن ناحية أخرى، أعاقت انتهاكات حقوق الإنسان في السودان الجهود الإنسانية، حيث يواجه العاملون في المجال الإنساني مخاطر تهدد حياتهم، فضلًا عن تعرض مباني الوكالات الإنسانية للاستهداف عمدًا. فعلى سبيل المثال تظهر تقارير الأمم المتحدة أنه في الأشهر الأربعة الأولى من النزاع قُتل 19 عاملًا إنسانيًّا، بالإضافة إلى تعرض مستودعات المساعدات ووكالات الأمم المتحدة وغيرها والممتلكات الإنسانية للهجمات بعد شهر واحد من بدء النزاع.

ومن جهة أخرى، أدت الأزمة الإنسانية المتفاقمة إلى تقويض حقوق الإنسان، وأثرت عليها سلبًا بسبب عدم قابليتها للتجزئة وترابطها؛ فقد أدى نقص الغذاء- على سبيل المثال- إلى وفيات بين السودانيين، حتى من النساء الحوامل، بسبب سوء التغذية والجوع الحاد، وهو ما يبرز كيف يمكن للمحنة الإنسانية في السودان أن تقوض حق الناس في الصحة والحياة.

لطالما كان هناك نقاش قائم في مجال حقوق الإنسان حول التوتر بين العالمية والنسبية. ويمكن فهم هذه الأساليب ببساطة من خلال التمييز بين تركيز العالمية على تطبيق حقوق الإنسان للجميع، بغض النظر عن العوامل الثقافية أو السياقية، وبين تأكيد النسبية على أهمية العادات والسياقات المحلية في تشكيل تنفيذ حقوق الإنسان. ويمكن اقتراح نهج أكثر توازنًا لتطبيق حقوق الإنسان العالمية مع مراعاة الحساسية الثقافية والسياقية. ومع ذلك، تتغير الحسابات في سياق الأزمات؛ ففي حالة السودان يتمثل السؤال الأساسي في كيفية معالجة معضلة العالمية والنسبية في مجال حقوق الإنسان في السياق الإنساني المعقد في ذلك البلد. فقد تلاعبت الأطراف المتورطة في الصراع السوداني، التي تدرك أهمية الاعتبارات الثقافية، بالمعايير والقيم الثقافية لتبرير أفعالها التي أدت إلى انتهاكات حقوق الإنسان. ومن ثم فإن تعقيد السياق السوداني ينبع من وجود جماعات مسلحة في البلاد ذات مصالح سياسية متباينة، وتفكك السكان المحليين، وتورط قوى أجنبية. وعلاوة على ذلك، تميل المنظمات الدولية والجهات الفاعلة في المجال الإنساني، وكذا المجتمع الدولي، إلى التغاضي عن انتهاكات حقوق الإنسان، والاستسلام لشعور "الاستثناء" المحيط بالوضع السوداني. وهذا يتماشى مع التعريف الكلاسيكي للأزمة الإنسانية، حيث يتم التعامل مع الأزمات على أنها استثناءات ويُنظر إلى الوكالات الإنسانية على أنها الجهات الفاعلة الرائدة في الاستجابة لمثل هذه الأزمات. ومع ذلك، فشل النظام الإنساني العاجز، بناء على ما يتضح من ضعف توفير المساعدات والتمويل الإنساني، في تكامل جهوده مع حقوق الإنسان في السودان، حيث لم تكن الجهود منسقة ومنهجية.

في السودان تستخدم الجهات السياسية النسبية الثقافية سلاحًا، حيث تتحكم المصالح السياسية للجماعات المسلحة في تحديد مصير حقوق الإنسان، وقد أدى هذا إلى تشكيل نسبية سياسية تخدم المصالح الذاتية دون أي منفعة لحقوق الإنسان. لذلك يبدو أن العالمية أمر ضروري لحماية حقوق الإنسان، ولكن هذا يتطلب التنسيق الوثيق مع الجهات الفاعلة على الأرض. ومع ذلك، وبسبب تفكك الدولة السودانية، يجب أن تحل الوكالات والمنظمات الإنسانية محل الدولة في قيادة تطبيق حقوق الإنسان العالمية في السودان. وفي حال نفذت هذه الجهات الفاعلة هذه الاستراتيجيات على نحو فعال فإن دور العمل الإنساني، المستند إلى المبادئ الأساسية الأربعة: الإنسانية والحياد والنزاهة والاستقلالية، يمكن أن يكون فرصة ذهبية لضمان حماية حقوق الإنسان الأساسية في السودان، بغض النظر عن العوامل الخارجية.

وفي الختام، تعد العالمية والنسبية ضروريتين بالقدر نفسه لضمان فعالية الاستراتيجيات الرامية إلى تعزيز حقوق الإنسان وملاءمتها للسياق. وتظل هذه المسألة محورية حتى في أثناء الأزمات مثل النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية. ومن الضروري معالجة التداخل بين حقوق الإنسان والعمل الإنساني، وخاصة في مثل هذه الحالات الطارئة، حيث تكون الحاجة إلى إنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة أمرًا بالغ الأهمية. ففي السودان، على سبيل المثال، لا بد أن يصبح العمل الإنساني جزءًا لا يتجزأ من إطار حقوق الإنسان، بدلًا من العمل كقوة مستقلة. ويسلط النزاع السوداني الضوء على كيفية تشكيل الحقائق السياسية والجهات الفاعلة القوية في كثير من الأحيان لمسار حقوق الإنسان في مثل هذه المواقف الاستثنائية، ومن ثم تقويض النهج النسبي. ونتيجة لذلك، ينبغي أن تكون عالمية حقوق الإنسان لها الأولوية، وخصوصًا عندما تستخدم المعايير والقيم الثقافية أدوات استراتيجية من قبل الجهات السياسية المحلية لتشكيل حقوق الإنسان. ومع فقدان الدولة للسلطة في البلاد، يتعين على الجهات الفاعلة في المجال الإنساني أن تكون قوة تكميلية لدعم هذه الحقوق. ولذلك فإن الجهود الإنسانية، ومن ضمنها الدعوة إلى المساواة في الحقوق، وتوفير المساعدات الأساسية (الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الصحية) والدبلوماسية الإنسانية، تشكل أهمية مركزية لحماية حقوق الإنسان في الأزمة السودانية، وفي سياقات مماثلة متأثرة بالصراع.