نشر هذا المقال في الأصل باللغة الإنجليزية على موقع Refugee Law Initiative
بعد اندلاع النزاع السوري في عام 2011، أصبحت لبنان وتركيا والأردن وجهات رئيسة للسوريين الفارين من العنف في وطنهم. وبعد أكثر من 13 عامًا لا يزال الملايين من السوريين منتشرين في جميع أنحاء العالم. وكانت الحكومة اللبنانية قد أعلنت، قبل الحرب الإسرائيلية عام 2024، أن في لبنان أكثر من مليوني لاجئ سوري، وهو ما يجعل لبنان الدولة التي تستضيف أعلى نسبة من اللاجئين في العالم مقارنة بعدد السكان ومساحة الأرض.
كان للحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان تأثير مباشر على اللاجئين السوريين، ولا سيما على قراراتهم بالانتقال إلى مناطق أكثر أمانًا داخل لبنان أو حتى العودة إلى سورية. وهذا يثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه التنقلات في لبنان، سواء داخله أو إلى خارجه، طوعية أم شكلًا من أشكال النزوح القسري. وذلك يدفعنا أيضًا إلى النظر في مدى فاعلية القوانين الأساسية لحماية اللاجئين ودور الجهات الفاعلة في المجال الإنساني في مثل هذه الأزمات المعقدة.
تعكس التعقيدات القانونية والسياسية والإنسانية التي تشكل الحركة الداخلية والخارجية للاجئين السوريين في ضوء الحرب الإسرائيلية على لبنان الحاجة إلى قوانين أكثر مرونة لحماية اللاجئين، واستراتيجيات إنسانية تعطي الأولوية للفئات المتضررة بدلًا من التركيز على وضعهم القانوني والتصنيفات.
معاناة اللاجئين السوريين قبل الحرب الإسرائيلية
كان لبنان في البداية بالنسبة إلى العديد من السوريين ملاذًا آمنًا من النزاع المسلح في سورية، وكان بالنسبة إلى آخرين محطة مؤقتة قبل طلب اللجوء في دول أكثر تقدمًا. قبل الحرب الإسرائيلية، كان 779,645 لاجئًا سوريًّا فقط مسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ومع ذلك، وبعد مرور 13 عامًا على الأزمة في سورية، ازداد عدد اللاجئين السوريين في لبنان بدلًا من أن يتراجع. وبحلول كانون الأول/ ديسمبر 2023 قدرت الحكومة اللبنانية وجود 1.5 مليون لاجئ سوري في البلاد، ولكن بعد خمسة أشهر تبين أن هناك أكثر من مليوني سوري في البلاد، أي زيادة بنسبة 25 في المئة في عدد السوريين في لبنان؛ إذ كانت معدلات العودة الطوعية بين اللاجئين السوريين ضئيلة. فوفقًا لتقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين غادر 10130 لاجئًا سوريًّا لبنان طواعية للعودة إلى سورية في عام 2023، مقارنة بـ 9814 لاجئًا عادوا في عام 2022.
وفي لبنان، تقود مفوضية اللاجئين وتنسق الأنشطة الإنسانية مع المنظمات والجهات الفاعلة غير الحكومية لتوفير الخدمات الأساسية والمساعدات للاجئين السوريين، مثل الغذاء والتعليم والمأوى والرعاية الصحية.
تصاعدت الحرب الإسرائيلية على لبنان بشكل حاد في منتصف أيلول/ سبتمبر 2024، وكانت لها آثار مدمرة على اللاجئين السوريين، حيث اتخذت الهجمات الإسرائيلية على لبنان أشكالًا مختلفة، ما بين هجمات أجهزة الاتصال اللاسلكي (البيجر)، والغارات الجوية، والاعتداءات بالصواريخ المتطورة، وهو ما تسبب في دمار واسع النطاق في مختلف المناطق في البلاد، وأسفر عن سقوط ضحايا من المدنيين. وقد تأثر اللاجئون السوريون تأثرًا مباشرًا بهذه الهجمات، فعلى سبيل المثال دَمَّرت غارة جوية إسرائيلية شرسة على مدينة بعلبك القديمة في وادي البقاع شرقي لبنان مبنى يضم عمالًا سوريين لاجئين، وأسفرت عن مقتل 19 عاملًا. وأسفرت هجمات إسرائيلية أخرى على مناطق ذات كثافة عالية من اللاجئين السوريين عن مقتل 126 سوريًّا، وإصابة 29 آخرين وفقدان 4 أشخاص. ومع ذلك، قد تكون هذه الأرقام أقل من الواقع؛ بسبب الافتقار إلى البيانات الشاملة حول هذه القضية.
تسببت الحرب، إلى جانب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المزرية بالفعل في لبنان، في تعريض حياة اللاجئين السوريين لخطر كبير، وهو ما أدى إلى نزوح جماعي داخلي وخارجي بينهم. ووفقًا لتصريحات وزير الداخلية والبلديات اللبناني، بسام مولوي، عاد 311 ألف لاجئ سوري إلى وطنهم، وذلك في غضون أسبوعين فقط من بدء النزاع. وبينما سلك 67 في المئة من اللاجئين السوريين طرقًا قانونية للعودة إلى سورية، عبر 37 في المئة منهم الحدود بشكل غير قانوني، مخاطرين بحياتهم بحثًا عن الأمان. ومنذ 30 أيلول/ سبتمبر 2024، انخفض عدد اللاجئين المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى 768.353، وهو ما يشير إلى أن أكثر من 20.000 لاجئ سوري مسجل عادوا إلى سورية. علاوة على ذلك فقد سُجلت 1.545 حالة نزوح داخلي بين اللاجئين السوريين في لبنان، من بينهم 379 طفلًا و215 امرأة.
وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الجهات الرئيسة الفاعلة في المجال الإنساني لمساعدة النازحين والمتضررين من الهجمات، فإن المساعدات المقدمة لا تزال غير كافية لتلبية احتياجات أكثر من مليون شخص في لبنان. وقد أعلن مولوي صراحةً بأن مراكز الإيواء سوف تُخصص وتُستخدم حصريًّا للمواطنين اللبنانيين، وهو ما يعكس المأساة الإنسانية التي يواجهها اللاجئون السوريون داخل لبنان، حيث تشير السلطات اللبنانية علنًا إلى أن حياة وسلامة هؤلاء اللاجئين ليست أولوية.
الأطر الرئيسة لـتعريف "اللجوء"
تستند الآليات المصممة لحماية اللاجئين وتعزيز مساعدتهم إلى أنظمة ومعايير ومعاهدات راسخة. وفي هذا السياق تُعرِّف اتفاقية اللاجئين لعام 1951 اللاجئ بأنه "شخص غير قادر أو غير راغب في العودة إلى بلده الأصلي؛ بسبب خوف مبرر من التعرض للاضطهاد لأسباب تتعلق بالعرق أو الدين أو الجنسية أو الانتماء إلى فئة اجتماعية معينة أو الرأي السياسي". ونظرًا إلى أن اتفاقية اللاجئين لعام 1951 هي أداة حماية قائمة على تحديد الوضع القانوني، فيجب أن يستوفي اللاجئون المعايير التي حددتها الاتفاقية للحصول على صفة اللاجئ الرسمية وضمان سلامتهم وأمنهم.
ويعد مبدأ عدم الإعادة القسرية أحد أهم المبادئ التي أبرزتها اتفاقية اللاجئين لعام 1951، والتي اعتمدت أيضًا في القانون الدولي للاجئين، حيث يمنع هذا المبدأ الدول المضيفة للاجئين من طردهم إلى أوطانهم عندما يكون هناك احتمال لضرر لا يمكن إصلاحه. ومع ذلك فبينما يركز هذا المبدأ على تصرفات الدول المضيفة للاجئين، فإنه يتجاهل عوامل أخرى قد تدفع اللاجئين إلى العودة إلى ظروف غير آمنة في وطنهم، وهو ما يعرض حياتهم لخطر كبير. تخلق هذه الفجوة تباينًا في الإطار القانوني، ومن ثم تعيق الجهود الإنسانية والاستجابات للأزمات التي تنطوي على العودة القسرية وتكشف حدود نظام حماية اللاجئين الدولي.
أما النازحون داخليًّا، كما تعرّفهم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فهم الأفراد الذين "أُجبروا على الفرار من ديارهم بسبب الصراع أو العنف أو الاضطهاد أو الكوارث؛ ومع ذلك فإنهم- على عكس اللاجئين- يظلون داخل حدود بلدهم". يشير الجزء الثاني من هذا التعريف إلى أن النازحين داخليًّا هم فقط أولئك الذين نزحوا داخل بلدانهم، متغافلًا عن المواقف التي ينزح فيها مواطنون أجانب أو لاجئون داخل بلد مضيف. وهذا يدل على شلل النظام، ويكشف عن قصوره في الاستجابة للأزمات المعقدة وغير التقليدية المتعلقة بالنزوح الداخلي.
النزوح الجماعي للسوريين: بين النزوح الداخلي والعودة إلى سورية
على الرغم من أهمية القوانين والمفاهيم المصممة لحماية اللاجئين والتخفيف من الأزمات الإنسانية، فإن هشاشة نظام اللاجئين الدولي باتت واضحة، وخاصة في حالة اللاجئين السوريين في أعقاب الحرب الإسرائيلية على لبنان. ويتجلى ذلك في الافتقار إلى أطر فعّالة لمعالجة أزمة النزوح التي يواجهها السوريون، داخليًّا وخارجيًّا، والتي تسببت فيها الحرب. ومن الجدير بالذكر أن لبنان لم يوقع على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 التي تفرض مبدأ عدم الإعادة القسرية على الدول الأطراف، ومن ثم فإن لبنان مُلزَم فقط بمبدأ عدم الإعادة القسرية في القانون الدولي العرفي. وعلى مدى سنوات، تحاول الحكومة اللبنانية معالجة قضية اللاجئين السوريين الذين دخلوا لبنان بصورة غير شرعية من خلال إعادتهم قسرًا إلى سورية، وهي استراتيجية بدأت في عام 2023، إلا أن النزوح الجماعي الحالي للاجئين السوريين لا يعزى فقط إلى قرار السلطة اللبنانية.
ونظرًا إلى التعريف الإشكالي لمفهوم النازحين داخليًّا، هناك حاجة إلى إعادة تقييم وضع اللاجئين السوريين النازحين داخل الأراضي اللبنانية. ولكونهم خارج وطنهم، فهل يمكن أن يُعَدّوا نازحين داخليًّا؟
يكمن التحدي الرئيس في أن غالبية اللاجئين السوريين غير مسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهذا يعني أنهم لا يتمتعون بوضع اللاجئ الرسمي. وفي ضوء الحرب الإسرائيلية الأخيرة، يعيش اللاجئون السوريون النازحون في لبنان حالة من الغموض القانوني؛ فهم إما أن يكون لديهم وضع اللاجئ، أو يندرجون تحت وضع مركّب يُشار إليه بــ"اللاجئين السوريين النازحين داخليًّا في لبنان". ويعكس هذا التصنيف المركب وضعًا إشكاليًّا يجعلهم غير معترف بهم بصفة لاجئين بشكل كامل، وفي نفس الوقت يحرمهم من إمكانية المطالبة بالحماية والحقوق الأساسية. ويمكن تفسير ذلك بالإشارة إلى عاملين رئيسين؛ أولهما افتقار المجتمع الدولي والنظام الإنساني الدولي إلى الآليات اللازمة لمعرفة "كيفية" و"ما هو" المطلوب لإدارة مثل هذه الحالات. ويتجلى ذلك في الاستراتيجيات غير الكافية والاستخدام غير الفعال للاستراتيجيات المتاحة من قبل الجهات الفاعلة الدولية في معالجة مثل هذه الحالات. والثاني أن الموقف اللاإنساني والقاسي الذي تتبناه الحكومة اللبنانية تجاه اللاجئين السوريين غير المسجلين، وحتى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين نفسها، أدى إلى تعقيد أزمة اللاجئين في لبنان. وحتى أولئك المسجلون لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والنازحون داخليًّا أصبحوا عُرضة للخطر بسبب غياب الأطر الفعّالة والمرنة القادرة على الاستجابة لهذه الأزمة المعقدة، وهو ما يجعل السوريين من بين الفئات الأكثر تضررًا.
وعند النظر في مسألة عودة اللاجئين السوريين إلى سورية، من الضروري التحقيق النقدي في طبيعة هذه العودة. وفي حين لا تجبر أي جهة حكومية، مثل الحكومة اللبنانية، اللاجئين السوريين صراحة على العودة إلى بلادهم، فإن افتراض أن عودة كل من عاد كانت طوعية حقًّا هو أمر لا أساس له ومضلل؛ فهناك تناقضات جوهرية بين مبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يتناول بشكل أساسي الإعادة القسرية للاجئين، والحقائق التي تشكل عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، حيث يتعرض اللاجئون السوريون في لبنان لتهديدات خطيرة لا يمكن إصلاح آثارها، وهو بالذات ما يدفعهم للعودة إلى سورية وغيرها من المناطق الأكثر أمانًا.
وبالنسبة لبعض اللاجئين السوريين، تفوق التهديدات التي يفرضها البقاء في لبنان - مثل الهجمات الإسرائيلية المستمرة على المدنيين والعنف المنهجي - المخاطر المرتبطة بالعودة إلى سورية، وذلك على الرغم من استمرار انعدام الأمن ومخاوف السلامة والفقر والبطالة والعديد من القضايا الأخرى هناك. ويتضح ذلك من عودة 311 ألف لاجئ سوري إلى وطنهم، وهو رقم من المتوقع أن يرتفع مع استمرار الحرب في لبنان. وفي هذا السياق، يمكن وصف عودة اللاجئين السوريين بـأنها "عودة قسرية طوعية"، حيث يكون لدى اللاجئين خيار البقاء في لبنان لكنهم يواجهون ضغوطًا غير مباشرة -بسبب الهجمات الإسرائيلية واسعة النطاق على لبنان- ولا يوجد لديهم خيار حقيقي سوى مغادرة البلاد، ومن ثم فإن الجانب الطوعي من هذه العودة يتمثل في عدم وجود إجبار صريح لهؤلاء اللاجئين على العودة إلى بلدهم من قبل أي جهة حكومية، في حين أن الطبيعة القسرية لهذه العودة مرتبطة بالظروف الخارجية مثل الحرب الإسرائيلية، وهو ما يدفعهم إلى الاختيار بين بدائل خطيرة. علاوة على ذلك، يثير هذا الأمر تساؤلًا حول ما إذا كان هؤلاء اللاجئون عائدين أم لاجئين نزحوا مرتين، خاصة أن الأسباب التي تدفعهم إلى العودة لا تزال تندرج ضمن نفس فئة العوامل التي جعلتهم لاجئين في البداية.
ما وراء الوضع القانوني ونحو جوهر العمل الإنساني
إن النزوح الداخلي للسوريين في لبنان وعودة مئات الآلاف منهم إلى سورية يزيدان من الحاجة إلى استجابات أكثر كفاءة وفعالية لتلبية احتياجات الناس، حيث إن تحليل وضع "اللجوء" للسوريين في ما يتعلق بالمفاهيم الأساسية والقانون والمعايير المتعلقة باللاجئين يكشف أنهم يواجهون النزوح الداخلي و"العودة القسرية الطوعية" في أعقاب الحرب الإسرائيلية على لبنان.
ونظرًا للوضع السياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي الراهن في سورية، فإن البلاد غير مستعدة لاستقبال مثل هذا العدد الكبير من العائدين. ومع ذلك، وبالنظر إلى الوضع الحرج الذي يعيشه السوريون الذين فروا من العنف المتصاعد وعادوا إلى وطنهم، فإن سلامتهم وأمنهم يشكلان الأولوية القصوى. وهذا يعني أن تلبية الاحتياجات الأساسية للعائدين من أجل البقاء، وحمايتهم من أي اضطهاد سياسي وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان، وتعزيز سلامتهم وأمنهم، يجب أن تكون في طليعة أجندات الجهات الفاعلة المحلية والدولية الحكومية وغير الحكومية. أما بالنسبة للاجئين السوريين النازحين داخل لبنان فحياتهم لا تقل أهمية، حيث يتطلب التصدي لهذه الأزمة المعقدة ومتعددة الأوجه تدخلات متعددة المستويات تهدف إلى إنقاذ أرواح الفئات المتضررة، والحد من الأضرار المحتملة.
ويتطلب ذلك مستويات عالية من الإرادة السياسية والتعاون بين الجهات الفاعلة في المجال الإنساني والمجتمع الدولي، وهو أمر ضروري لحماية النازحين السوريين الذين يعيشون في ظروف محفوفة بالمخاطر وبأوضاع قانونية متفاوتة. ومن ثم، يجب أن تكون احتياجات الناس والمبادئ الإنسانية هي المحرك الأساسي للاستجابة لهذه الأزمات المعقدة، بدلًا من التركيز على وضعهم القانوني فقط.
تتحمل الحكومة اللبنانية مسؤولية كبيرة في هذا السياق؛ إذ يجب أن تتبنى نهجًا أكثر إنسانية، وتثبت نيتها وهدفها لحماية النازحين السوريين داخليًّا، حتى مع إعطاء الأولوية للمواطنين المحليين. فعلى الرغم من أن الحكومة اللبنانية رحَّلت اللاجئين السوريين إلى وطنهم، فإن من مصلحتها التعاون في هذا الملف، لا سيما في توفير طريق آمن للاجئين السوريين للوصول بأمان إلى بلدهم. ومن ناحية أخرى، يجب على السلطات السورية تسهيل دخول اللاجئين السوريين إلى وطنهم من خلال إعفائهم من رسوم الدخول وحماية حقوقهم الأساسية.
وعلى الرغم من تراجع مصداقية منظومة العمل الإنساني والمجتمع الدولي، وخاصة بعد إخفاقه في الاستجابة لأزمات مثل أزمة غزة، فإن دورهما يظل بالغ الأهمية في معالجة أزمة النزوح الجماعي للسوريين في لبنان. ولا ينبغي أن يقتصر دور المجتمع الدولي على مراقبة أعداد واحتياجات السوريين النازحين في لبنان أو العائدين إلى سورية، فهو يمتلك النفوذ الدبلوماسي اللازم للضغط على النظام الإسرائيلي لاستثناء المدنيين غير المقاتلين (ومن ضمنهم السوريون) من الأهداف العسكرية، وهذا من شأنه أن يساعد في حماية المدنيين وضمان أمنهم. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للمجتمع الدولي أن يقدم الدعم المالي والفني للجهات الفاعلة في المجال الإنساني المسؤولة عن تسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم. وعلاوة على ذلك، وبوضع اللاجئين السوريين أنفسِهم، وليس وضعهم القانوني، في قلب هذه القضية، يتعين على المجتمع الدولي أن يتبنى الدبلوماسية من خلال المفاوضات مع السلطات السورية واستخدام وسائل إقناع أخرى بهدف ضمان مستقبل كريم وآمن لهؤلاء اللاجئين.
ولا بد أن تركز الحلول المستدامة لهذه الأزمة متعددة الأوجه على تعزيز البيئة المواتية للتغيير الإيجابي والدائم في حياة اللاجئين السوريين، سواء في لبنان أو سورية. ولكن تبقى إدارة الأزمات الفورية ضرورية أيضًا وتقع في الأساس تحت مسؤولية الجهات الفاعلة في المجال الإنساني العاملة ميدانيًّا. وعادة ما تُعد مهمة هذه الجهات تقديم المساعدة الأساسية -من الغذاء والمأوى والمياه النظيفة والرعاية الصحية والحماية- للمتضررين، ومع ذلك فإن استهداف الجهات الفاعلة في المجال الإنساني وبعثات حفظ السلام مباشرة في الهجمات الإسرائيلية يجعل هذه الجهود أكثر تعقيدًا، وهو ما يؤدي إلى تفاقم الوضع المأساوي بالفعل بالنسبة للسوريين. وتفرض هذه العوامل ضرورة تبني جهود شاملة تسعى إلى حماية أرواح الناس، وخاصة أولئك الذين نزحوا مرات عديدة، مثل السوريين في لبنان، لأسباب خارجة عن إرادتهم.