أصدر مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بالتعاون مع مركز دكتور حيدر عبد الشافي للثقافة والتنمية هذا التقرير بعد عامٍ على العدوان على قطاع غزّة
الملخص التنفيذي
بعد عامٍ من العدوان على قطاع غزّة استُهدِفت فيه القطاعات الحيويّة، وتدهورت الحالة الإنسانية لنحو (2.3) مليون من سكان القطاع، تتبع تقرير: «عامٌ من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة: المشهد الإنساني وبيئة الاستجابة الإنسانية» مجموعة واسعة من التقارير والدراسات التي ترصد تبِعات الهجمات العسكرية الإسرائيلية على حياة المدنيين. وقد جاء التقرير في جزأين تطرق فيهما، على نحو معمق، للواقع الإنساني خلال العدوان، بعد تدمير (72) في المئة من البُنية التحتية السكنية، و(9) في المئة من المنشآت الخدميّة والإنتاجية في مناطق غزّة المختلفة، وهو ما جعل (1.9) مليونًا من السكان نازحين، يتحركون قسريًّا تبعًا لأوامر الإخلاء الإسرائيلية. وقد تعرّض سكان القطاع خلال هذا العام لمستوياتٍ غير مسبوقة من انعدام الأمن الغذائي والمائي، وتدمير سبل العيش، حيث تُقدر إحصائيات البنك الدولي أن (100) في المئة من السكان يعيشون في فقرٍ وانعدام القدرة على توفير الغذاء .
تُستخدم سُبل العيش والحصول على الغذاء والمأوى أسلحةَ حرب، وذلك بحرمان السكان من الوصول الآمن إلى مصادر الأمن والغذاء، مع الاستهداف المستمر لنقاط توزيع المساعدات الإنسانية ومراكز الإيواء. كذلك فقد تحولت مدارس القطاع، خلال العدوان، إلى ملاجئ للإيواء، مع خروج (625,000) طفلٍ من العملية التعليمية. وسيخسر هؤلاء الأطفال ما يزيد على (3-4) سنواتٍ من رحلتهم الدراسية بفرض توقف العدوان في أيلول/ سبتمبر 2025 وبدء عملية إعادة الإعمار فورًا.
في ذات السياق يعمل أقل من نصف مستشفيات القطاع بقدراتٍ تشغيلية جزئية، إضافة إلى تضييقٍ لدخول المساعدات الإنسانية الطبيّة. شكلت الهجمات الإسرائيلية على قطاعي التعليم والصحة جزءًا مُمنهجًا ومدروسًا من العدوان الحالي، وتترك هذه الهجمات آثارًا ذات تبعات على القطاعات المختلفة، تؤثر على النسيج الاجتماعي لساكني القطاع.
تعاملت المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية مع واقعٍ إنساني متدهور في بيئةٍ معقدة، فبالرغم من أن القوانين الدوليّة تشدد على وجوب إيصال المساعدات في حالات الحروب وضمان سلامة المدنيين والعاملين الإنسانيين، لم تنجح المساعي الإنسانية في ضمان سلامة مقدميها، أو في تلبية احتياجات السكان، وهو ما ترك المنظمات الإنسانية الدوليّة تتحرك دون غطاء حماية في التنسيق مع السلطات الإسرائيلية لإدخال الشاحنات الإنسانية من منفَذَين حدوديين أبقتهما السلطات الإسرائيلية قيد العمل. فيما تضررت المنظمات غير الحكومية المحلية تضررًا كبيرًا من جرّاء استهداف مقارها والبنية التحتية للاتصالات، حيث ظلّ نشاطها مقيدًا ومحدودًا في قدرته على الاستجابة لمتطلبات المجتمع. تتقاطع جهود الاستجابة الإنسانية مع واقعٍ معقد تحولت فيه سُبل المعيشة والوصول إلى المساعدات الإنسانية إلى أدوات حرب يتم التحكّم من خلالها في المُعاش اليومي لسكان القطاع.
المدخل التمهيدي
خلال عامٍ من العدوان الإسرائيلي المكثف على قطاع غزة، شهدت المنطقة واحدة من أسوأ فترات التدهور الإنساني والضغط المتواصل على سكان القطاع المحاصر. حيث خلّف العدوان الإسرائيلي، حتى إعداد التقرير، (41,909) ضحايا مباشرين للقتل والاستهداف، (16,927) منهم أطفال، بالإضافة إلى (97,303) جرحى، و(10,000) في عِداد المفقودين. كما تعرضت القطاعات الحيويّة في غزّة لدمارٍ غير مسبوق، وهو ما فاقم الأزمات التي عاناها القطاع سابقًا من جرّاء حصارٍ مديد منذ ما يزيد على سبعة عشر عامًا.
ومع تصاعد وتيرة الهجمات العسكرية وفرض تحركاتٍ قسرية على سكان القطاع تنفيذًا لأوامر الإخلاء الإسرائيلية، بات السكان يواجهون تحديات قاسية على الأصعدة كافة، بدءًا من تأمين الاحتياجات الأساسية للحياة اليومية وصولاً إلى اضطرارهم إلى العيش في بيئة مليئة بالخوف وانعدام الأمان. في هذا السياق، وصلت أعداد النازحين إلى ما يزيد على (1.9) مليون نازح، يشغلون (14) في المئة فقط من مساحة قطاع غزّة، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، وهو ما زاد الضغط على المؤسسات الإنسانية، سواء المحلية أو الدولية، التي باتت تواجه صعوبة في الوصول إلى المتضررين بسبب القيود الأمنية واللوجستية.
لم يكن العدوان الإسرائيلي مجرد تصعيدٍ مؤقتٍ، بل هو استمرار لحالة حصارٍ متواصلة منذ سنوات، تخللتها أربع حروبٍ وجولات تصعيدية متعددة، أدّت إلى تآكل القدرة المعيشية للسكان، وتضييق مساحات الأمل في تحقيق حياة كريمة.
وعلى مدار عامٍ من العدوان، اضطُرّ السكان إلى مواجهة ظروف انعدام الأمن والقتل العشوائي، بقدراتٍ منهكة وبُنية اجتماعية متضررة نتيجةً لظروف الحرب والحصار. حيث أصبحت البيئة الاجتماعية خلال العدوان هدفًا للتدمير الإسرائيلي، وهو ما دعا دولة جنوب أفريقيا إلى رفع دعوى في محكمة العدل الدولية لتسمية الظروف التي أنتجها العدوان «إبادةً جماعية»، وهو ما رأته المحكمة «معقولًا» في القضية المفتوحة حتى لحظة كتابة التقرير.
في هذا السياق، يأتي التقرير محاولة لتقديم قراءة معمّقة للمشهد الإنساني في قطاع غزّة بعد مرور عامٍ من العدوان، مسلطًا الضوء على التحديات المتراكمة التي يواجهها السكان الفلسطينيون، بالإضافة إلى استعراض الوضع الحرج الذي تعمل فيه المنظمات الإنسانية. فيستعرض تحليلًا لآثار الحرب على قطاعات البنية التحتية، ومنظومات الصحة والتعليم، بالإضافة إلى أوضاع الأمن الغذائي والمائي والمأوى، وتداعيات هذه الظروف على نُظُم الحماية. كما يوضّح آليات تعاطي المجتمع المدني والمنظمات الدولية مع هذه الأزمات المتفاقمة. متناولًا كذلك البيئة الإنسانية المتدهورة في ظلّ تشديد الحصار الإسرائيلي وتأثيراته على قدرة المنظمات الإنسانية على تقديم الدعم والمساعدات.
يركزّ هذا التقرير على قطاع غزة جغرافيًّا، بوصفه المنطقة الأكثر تضررًا من الحرب ذات الطابع الإبادي. ومع ذلك، لا يتجاهل التقرير أن السياسات الإسرائيلية تشمل الضفة الغربية، وبضمنها القدس، حيث تتعرض جميع أجزاء المجتمع الفلسطيني لضروب مختلفة من الانتهاكات.
يغطي التقرير عامًا كاملًا منذ بدء العدوان (من 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إلى 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2024)، أي إنه يفحص التداعيات الإنسانية لعامٍ من العدوان المستمر، وذلك من خلال إجراء مسحٍ واسع لسلسلةٍ كبيرة من التقارير الأممية والمحليّة، وأوراق السياسات والدراسات ذات الصلّة، والتفاعل معها من خلال ملاحظات معدّي التقرير في الميدان، والمقابلات الشخصية للعاملين في المجال الإنساني في قطاع غزّة، مستهدفًا في الدرجة الأولى تقديم صورةٍ شاملة للقراء، وصناع السياسات، والعاملين في المجال الإنساني، والباحثين، تساعد في تحديد النقاط الحرجة التي تستدعي تدخلات فوريّة في غزّة، وتقديم فهم أعمق للتداعيات الإنسانية خلال أزمنة الحروب والأزمات التي تحصل على نطاقٍ واسع.