تم نشر هذا المقال في الأصل باللغة الإنجليزية على موقع ميدل إيست آي​

قبل شهر فقط، صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أمام الأمم المتحدة قائلًا: "إسرائيل تسعى إلى السلام. إسرائيل تتوق إلى السلام. لقد صنعت إسرائيل السلام وستصنع السلام من جديد".​

لكن المفارقة تكمن في الموافقة على عملية "النظام الجديد" من غرفة فندق في نيويورك أثناء حضور جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي مفارقة لم تغب عن أذهاننا.

وفي الوقت الذي أسقطت فيه الطائرات الإسرائيلية أكثر من 80 قنبلة خارقة للتحصينات على منطقة مكتظة بالسكان في بيروت، أطلقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إلى جانب البرازيل والصين وفرنسا والأردن وكازاخستان وجنوب أفريقيا، مبادرة عالمية على هامش أعمال الأمم المتحدة لتجديد التزامها بالقانون الإنساني الدولي في الحرب.

ومع ذلك، وقف نتنياهو خلف المنصة وادعى أنه يسعى إلى السلام، في أعقاب أسبوع من المجازر التي ارتكبتها قواته في لبنان. بالنسبة لشعوب هذه المنطقة، يعكس هذا الموقف مدى عجز الأمم المتحدة عن ممارسة أي سلطة حقيقية لمنع الحروب؛ فيبدو أن إسرائيل تعتقد أنها فوق بقية العالم، وأن بقية العالم -رغم كل قوته- عاجز أو غير راغب في اتخاذ أي إجراء حقيقي من شأنه أن يخضع هذه الدولة المارقة للقانون.

وفي الواقع، تندد الولايات المتحدة بتراجعات نتنياهو وتنتقد سلوكه، لكن مع ذلك تستطيع الحكومة الإسرائيلية تأمين مساعدات إضافية بقيمة 8.7 مليارات دولار في نفس عطلة نهاية الأسبوع التي تسقط فيها أطنانًا من القنابل على المدنيين في بيروت.​

تواطؤ متعمد

من الواضح أن قوة الإرادة لمعاقبة انتهاكات حقوق الإنسان لا تتوافر إلا عندما تتوافق مع المصالح الوطنية للدول؛ فعلى سبيل المثال أصدرت المحكمة الجنائية الدولية لوائح اتهام بحق 44 فردًا حتى الآن، وجميعهم من القارة الأفريقية، وهذا يعني أن المجازر التي راح ضحيتها مئات الآلاف من الأشخاص في مختلف أنحاء المنطقة على يد آلة الحرب الإسرائيلية لم تلحق الضرر بالمصالح الوطنية لأي دولة غربية.

لقد كان الغرض من القانون الدولي الإنساني ومبدأ "مسؤولية الحماية" الناشئ التأكيد على الالتزام العالمي بالحد من طغيان الدول، وإعطاء الأولوية للإنسانية فوق كل اعتبار، ومع ذلك يكتفي المجتمع الدولي بالمراقبة دون أن يحرك ساكنًا، وتواصل محكمة العدل الدولية المداولات، وتستمر المحكمة الجنائية الدولية في مناقشة أوامر الاعتقال تحت ضغط التهديدات الأميركية، في الوقت الذي تستمر فيه الإبادة الجماعية بلا هوادة.

ومن أجل تصنيف الإبادة الجماعية على هذا النحو، يتعين على العالم أن يتركها تأخذ مجراها ثم يقضي العقد المقبل في مناقشة المزايا القانونية فقط ليصرخ: "لن يتكرر ذلك أبدًا".

وعلى الرغم من إجماع خبراء الإبادة الجماعية على أن الإبادة الجماعية تحدث على مراحل، يرفض العالم الإنصات. فما جدوى المحكمة الجنائية الدولية التي تخضع للضغوط الأميركية؟

وما الغرض من اتفاقية الإبادة الجماعية إذا كان علينا أولًا أن ننتظر حتى يتم تنفيذ الإبادة الجماعية واستكمالها؟

بينما ينشغل المحللون عبر شاشات التلفاز بمناقشة النظام العالمي المتغير -وما يصفونه بأنه انحراف عن النظام القائم على القواعد- فإن منطقتنا لم تشهد أي تغيير يُذكر.

لم تكن "عقيدة الضاحية" وليدة 27 أيلول/ سبتمبر؛ إذ تعود هذه السياسة، التي تقوم على استخدام القوة المفرطة ضد البنية التحتية المدنية والمناطق الحضرية، إلى حرب تموز/ يوليو 2006 التي شنتها إسرائيل على لبنان.

لقد كان هذا هو النظام الذي فرضته القوى الغربية دومًا، والذي لا يرى فيه أهل هذه المنطقة أي قيمة أو معنى.

إن السماح لإسرائيل بشن حرب إبادة جماعية عامًا كاملًا تحت ذريعة "الدفاع عن النفس"، بعد سبعة عقود من الاحتلال المتواصل، وقبل غزوها الاستباقي للبنان مباشرة، لهو إدانة صارخة للقانون الدولي.

يثير هذا الأمر قلقًا بالغًا في ضوء التلاعب القانوني من قبل حلفاء إسرائيل لتبرير وتسهيل عدوانها، في الوقت الذي يستمرون فيه في الدعوة إلى عملية السلام وتنفيذ حل الدولتين.

 إن هذا التواطؤ المتعمد وسياسة الاسترضاء لن يفشلا في جلب السلام إلى المنطقة فحسب، بل سيعملان أيضًا على إطالة أمد واقع الاحتلال والإبادة الجماعية.​