اختُتمت، يوم الخميس (23 كانون الثاني/ يناير 2025)، أعمال النسخة الأولى من مؤتمر دراسات النزاع والعمل الإنساني الذي نظّمه مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني يومي 22 و23 كانون الثاني/ يناير 2025، بالتعاون مع برنامج إدارة النزاع والعمل الإنساني في معهد الدوحة للدراسات العليا، وشبكة العمل الإنساني (NOHA)، ومدرسة جيمي وروزالين كارتر للسلام وحل النزاعات بجامعة جورج ميسون. واستقطب المؤتمر نخبةً من الباحثين والأكاديميين والممارسين من مختلف أنحاء العالم، حيث تناول المشاركون قضايا راهنة تتعلق بالنزاعات والعمل الإنساني، في إطار نقاشات أكاديمية معمقة.

يأتي المؤتمر في إطار التزام المركز بدوره كمؤسسة بحثية تُعنى بخلق بيئة مواتية لإنتاج أبحاث معمقة وبناء قدرات نوعية تسهم في إحلال السلام وحل النزاعات من منظور نقدي واستشرافي، وبالتكامل مع دور المؤسسات الشريكة في تعزيز البُنى التعليمية والمهنية لدراسة أدوات بناء السلام ومواجهة التحديات الراهنة. وقد شهدت أعمال المؤتمر مناقشة تسع وعشرين ورقة بحثية أعدها خمسة وثلاثون باحثًا من سبع عشرة دولةً، تناولت سياقات النزاع في المنطقة العربية ومناطق أخرى من العالم، مقدمةً مقارباتٍ نظرية وعملية، حظيت بتفاعل الأكاديميين والممارسين الحاضرين.

افتُتحت أعمال المؤتمر بكلمةٍ ألقتها البروفيسورة أمل غزال، عميدة كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية في معهد الدوحة للدراسات العليا. وتلت الكلمة الافتتاحية جلسة قدمها كل من الدكتور غسان الكحلوت، مدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني، والسيد جيمس ساتر، رئيس قسم العلاقات الدولية بجامعة مالطا ومدير شبكة العمل الإنساني (نوها)، والدكتور طارق دعنا، رئيس برنامج إدارة النزاع والعمل الإنساني في معهد الدوحة للدراسات العليا. حيث تناولت أبرز القضايا الملحة في مجال النزاعات والعمل الإنساني، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب، والآثار البيئية والاجتماعية للركام الناتج عن النزاعات، ليتوسّع المشاركون في مناقشة هذه المحاور لاحقًا خلال جلسات المؤتمر.

بحثت جلسات المؤتمر الثماني موضوعاتٍ متنوعة، شملت اتفاقيات السلام، والتحديات الراهنة التي تواجه مستقبل العمل الإنساني، بالإضافة إلى إمكانيات التعافي بعد النزاعات، مع التركيز الخاص على جهود إعادة الإعمار في قطاع غزة بعد الحرب. جاءت هذه الموضوعات استجابةً للحاجة المُلحة لمعالجة التحولات العميقة التي طرأت على ديناميات النزاعات وطبيعة الأزمات الإنسانية على المستويين العربي والعالمي. وقد وفّر المؤتمر منصةً للتفاعل والتفكير تتسم بتعددية التخصصات، مؤكدًا أهمية تبني رؤى مبتكرة تُعزز الاستجابة الإنسانية الفعّالة، بما يتناسب مع التحديات المعقدة لهذه المرحلة.

وركزت أوراق المؤتمر على التفاعل مع قضايا الدبلوماسية الإنسانية في سياق الأزمات المعاصرة، مع تسليط الضوء على الحرب في غزّة، وأزمة الروهينغيا، واليمن، كحالات دراسية. واستعرضت طبيعة منهجيات الوساطة وصنع السلام في المنطقة العربية، وتطرقت إلى التحديات الهيكلية التي تواجه هذه العمليات في سياق النزاعات الممتدة. وناقشت كذلك إخفاق النظام الإنساني في مواجهة تداعيات حرب الإبادة الجماعية في غزة، مع إجراء مقارنات بين حالة الحرب في غزة والحرب في أوكرانيا، وتأطير النزاع في غزّة ضمن سياق الاستعمار ونزع الإنسانية، وتناولت بالبحث انعكاسات هذا التأطير على فرص التعافي في المستقبل، وضرورة دمج الآليات القانونية المتاحة وأدوات بناء السلام والإغاثة الإنسانية بوصفها ركائز أساسية للتعامل مع الواقع الراهن.

ركز المؤتمر في يومه الثاني على تعدد الأطراف الفاعلة في وساطة النزاعات، مع تسليط الضوء على تجربتَي قطر والصين بوصفهما نموذجين بارزين في هذا المجال. كما ناقش المبادئ الإنسانية وتأثير النزاعات على الاستجابة الإنسانية في حالات مثل أفغانستان، والسودان، وغزة. وأظهرت الحالات الدراسية المتعددة التي ناقشتها الجلسات تنوع المقاربات وعمق الطرح الذي قدمه المشاركون في سعيهم لتحليل الواقع المعقد والتفاعل معه. ويُعد مؤتمر دراسات النزاع والعمل الإنساني خطوةً نوعية في معالجة قضايا النزاعات والأزمات الإنسانية من منظور شامل ومبتكر، حيث يؤكد أهمية الجمع بين البحث الأكاديمي والممارسة المهنية، بهدف إدماج الأصوات المتنوعة والرؤى والمعارف المحلية والدولية في الخطاب الأكاديمي والسياساتي.