عقد مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني، بالتعاون مع سفارة سويسرا في قطر واللجنة الدولية للصليب الأحمر وجمعية الهلال الأحمر القطري، يوم الاثنين الموافق 30 أيلول/ سبتمبر 2024، جلسة نقاشية بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لاتفاقيات جنيف، وذلك في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني في الدوحة.
وقد تناولت النقاشات الأهمية الدائمة لاتفاقيات جنيف، مع استعراض التحديات والفرص المعاصرة في تنفيذها.
افتتح الجلسة الدكتور غسان الكحلوت، مدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني، مسلطًا الضوء على التنامي المقلق للانتهاكات المتعمدة لاتفاقيات جنيف على مدار العام الماضي، والتي أثرت بشدة في المدنيين وأعاقت وصولهم إلى المساعدات الإنسانية. وأكد الدكتور الكحلوت التزام المركز باستكشاف طرق بديلة لتعزيز القانون الإنساني الدولي وضمان سلامة الفئات الضعيفة.
وفي كلمتها، أشارت سعادة السيدة فلورنس تينغلي ماتلي، سفيرة سويسرا لدى قطر، إلى الانتهاكات اليومية غير المقبولة لاتفاقيات جنيف في أكثر من 120 صراعًا حول العالم. وأكدت السيدة تينغلي ماتلي الأهمية الحاسمة للالتزام بالمبادئ الإنسانية والقانون الدولي الإنساني، لافتة إلى أن احترام هذه القواعد هو مسؤولية كل دولة. وحذرت سعادتها من أن الإخفاق في دعم هذه المبادئ يؤدي إلى تفاقم العنف والمآسي الإنسانية، مشيرة إلى أنه على مدى السنوات الخمس والسبعين الماضية أنقذت اتفاقيات جنيف، ولا تزال تنقذ، ملايين الأرواح المدنية.
وبعد الكلمات الافتتاحية، بدأت جلسة النقاش برؤى من البروفيسور أندرو كلابهام، أستاذ القانون الدولي في معهد جنيف للدراسات العليا، حيث أكد أن القضية لا تكمن في نصوص الاتفاقيات، بل في احترام وإنفاذ هذه الاتفاقيات أثناء النزاعات. وسلط الضوء على التأثيرات المترتبة على مهاجمة المدنيين والأعيان المدنية مثل المستشفيات، وحث الجمهور على ألا يكتفي بالنظر في العواقب المباشرة لمثل هذه الهجمات فحسب، بل أن ينظر كذلك في التأثير طويل الأجل، مثل حرمان مجتمع بأكمله من الوصول إلى الخدمات الصحية. وشدد على ضرورة منع تدفق الأسلحة والذخائر إلى مناطق الحرب، وملاحقة المتورطين في عمليات نقل الأسلحة، ومحاسبتهم على الجرائم التي يرتكبونها.
ومن جانبه سلط الدكتور عمر مكي، المنسق القانوني الإقليمي باللجنة الدولية للصليب الأحمر، الضوء على التحديات المستمرة التي تواجه تعزيز القانون الدولي الإنساني والمبادئ الإنسانية في النزاعات المعاصرة، بدءًا من استخدام القوة المفرطة تحت مبرر الدفاع عن النفس، مرورًا بالطبيعة متزايدة التعقيد للنزاعات، وهو ما يجعل من تطبيق القانون الدولي الإنساني أمرًا صعبًا. كما أشار الدكتور مكي إلى صعوبات تنفيذ مبدأ التناسب، حيث أصبح التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية أكثر ضبابية. وعلاوة على ذلك، فإن تزايد مشاركة الجماعات المسلحة من غير الدول، والطبيعة المتطورة للحرب، ولا سيما استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والطائرات من دون طيار، يزيد من التحديات في ضمان المساءلة.
وأخيرًا، سلط الضوء على الدور المهم للمؤسسات الدولية، والحاجة إلى تعزيز الأطر القانونية الوطنية لدعم تطبيق القانون الدولي الإنساني وضمان حماية المدنيين.
وأكدت الدكتورة آية راندال، الأستاذة المساعدة في معهد الدوحة للدراسات العليا، أن المنظمات غير الحكومية لها دور محوري في تعزيز احترام القانون الدولي الإنساني والمبادئ الإنسانية. وأشارت الدكتورة راندال إلى أن المنظمات غير الحكومية مؤهلة تمامًا للتعامل مع تعقيدات الصراعات المعاصرة؛ نظرًا لأنها تواجه حواجز بيروقراطية أقل مقارنة بالمؤسسات الحكومية؛ إذ يمكنها تقديم الدعم القانوني للضحايا، والإبلاغ عن جرائم الحرب، والدعوة إلى العدالة، والضغط على الدول والمحاكم لمقاضاة مجرمي الحرب. وأشارت في هذا السياق إلى أهمية تدريب موظفي المنظمات غير الحكومية على القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وهو ما يمكنهم من معالجة المعضلات القانونية والإنسانية بأسلوب يتسم بأقصى درجات الالتزام بالمبادئ.
اختتم الجلسة السيد فيصل محمد العمادي، الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر القطري، وأكد أنه على الرغم من التحديات والانتهاكات يظل القانون الدولي الإنساني والمبادئ الإنسانية ركيزة أساسية لمشاركة الهلال الأحمر القطري في البلدان المتضررة من النزاعات حول العالم. في حين حثت السيدة بسمة طباجة، رئيسة بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في قطر، الجمهور على الانخراط في التفكير النقدي عند التعامل مع القانون الدولي الإنساني، مؤكدة أن مثل هذه التأملات ضرورية لاستمرار تطوره. كما سلطت الضوء على التحديات الكبيرة التي يواجهها العاملون في المجال الإنساني في التعامل مع تعقيدات الأزمات الحالية، حيث إن الصراعات المتداخلة والديناميكيات المتغيرة تجعل عملهم أكثر صعوبة.
وبعد الجلسة النقاشية، أتيحت الفرصة للحاضرين لاستكشاف معرض الصور الفوتوغرافية "حوارات حول الإنسانية" الذي يقدم تأملًا بصريًّا حول المبادئ الأساسية للعمل الإنساني: الإنسانية والحياد وعدم التحيز والاستقلالية. ومن خلال سلسلة من الصور المثيرة للتفكير، يدعو المعرض المشاهدين إلى الانخراط في حوارات هادفة حول المشهد المتطور للتحديات الإنسانية. وسيظل المعرض قائمًا حتى 15 تشرين الأول/ أكتوبر في الطابق الأرضي من المبنى الثقافي في معهد الدوحة للدراسات العليا.