تم نشر هذا المقال في الأصل باللغة الإنجليزية على موقع الجزيرة

على مدار أكثر من تسعة أشهر، دافعت الولايات المتحدة وحلفاء إسرائيل المقربون الآخرون، مرارًا وتكرارًا، عن سلوك الجيش الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية؛ رافضين أو متجاهلين اتهامات الإبادة الجماعية والتعذيب والعقاب الجماعي وجرائم الحرب الأخرى والجرائم ضد الإنسانية، على الرغم من التقارير العديدة الصادرة عن خبراء الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان التي توضح بالتفصيل مختلف الفظائع التي ارتكبتها إسرائيل.

وفي دفاعهم عن الجيش الإسرائيلي غالبًا ما يشير حلفاء إسرائيل إلى إمكانية تحقيق العدالة في القضايا المتعلقة بالجرائم في المحاكم الإسرائيلية؛ فعلى سبيل المثال زعمت وزارة الخارجية الأميركية- في ردها على سعي المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، إلى إصدار أوامر اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين- أن المدعي العام لم ينتظر نتائج التحقيق الوطني، كما قدمت الحكومة الإسرائيلية نفس الحجة.

ولكن نظرة فاحصة على النظام القضائي الإسرائيلي تكشف أن مثل هذه الملاحقة القضائية لجرائم الحرب التي ارتكبها المسؤولون الإسرائيليون من غير المرجح أن تسفر عن نتائج.

فعلى الرغم من أن السلطات التشريعية والقضائية في إسرائيل تعترف بالقانون الدولي والاتفاقيات الدولية فإنها، من خلال الاستثناءات القانونية، تخلق مساحات للتجاهل التام للقانون الدولي من قبل المسؤولين الإسرائيليين وقوات الأمن والجيش، وهذا يقوض المحظورات التي يفرضها القانون الدولي في مسائل ذات أهمية بالغة.

ويُعد التعذيب والعقاب الجماعي مثالين على الجرائم التي توضح هذا التناقض القانوني بين النظام القضائي الإسرائيلي والقانون الدولي.

فبموجب القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان الدولي يُعد التعذيب أسلوبًا غير قانوني على نحو لا لبس فيه، وينبع هذا الحظر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية واتفاقية مناهضة التعذيب، وغيرها.

وبناءً على الفقرة 277 من قانون العقوبات الإسرائيلي لعام 1977، وتصديق إسرائيل على اتفاقية مناهضة التعذيب عام 1991، يعترف النظام القانوني الإسرائيلي بأن التعذيب سلوك غير قانوني، ولكن على أرض الواقع وثقت المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية ووسائل الإعلام الإسرائيلية ممارسة التعذيب على نطاق واسع، ولا تزال مستمرة دون أي عواقب قانونية. وخلال الأشهر التسعة الماضية تفاقمت هذه الممارسة غير القانونية، وفقًا لنشطاء حقوق الإنسان.

وبناء على ما وثقته اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل (PCATI) فإنه بين عامي 2001 و2022 قُدّم أكثر من 1400 ادعاء بالتعذيب ضد السلطات الإسرائيلية، حُقّق في اثنين فقط، ولم يسفر أي منهما عن توجيه أي اتهامات.

ويرجع ذلك إلى أن عناصر الشاباك (أجهزة الأمن الداخلي) والجنود الإسرائيليين محميون بثغرة قانونية تتيح استخدام التعذيب تحت بند "الضرورة"، ولا سيما في ما يسمى "حالات القنبلة الموقوتة"؛ حيث تُحدد هذه السيناريوهات بشكل غير دقيق، وتبرر استخدام التعذيب لانتزاع المعلومات من المشتبه فيهم، والتي من المفترض أن تساعد في تجنب خطر وشيك على الحياة والأمن القومي. وعلى الرغم من أن مفهوم "حالة القنبلة الموقوتة" قابل للتفسير بطرق مختلفة، فإن هذا الاستثناء أيده حكمان أصدرتهما المحكمة العليا الإسرائيلية في عام 1999 ثم مرة أخرى في عام 2018.

وعلى الرغم من أن السلطات الإسرائيلية اعترفت بكون هذه الثغرة إشكالية، ووعدت بسن قانون صريح ضد التعذيب، فإنه لم يتحقق أي تقدم في هذا الصدد. حتى إن اللجنة العامة لمناهضة التعذيب أحالت 17 من قضاياها إلى المحكمة الجنائية الدولية في عام 2022، بعدما أدركت استحالة تحقيق العدالة لضحايا التعذيب في المحاكم الإسرائيلية؛ وذلك لأن معظم القضايا تُرفض بسرعة بحجة أنه "لا يوجد دليل مُثبَت يدعم رواية المستجوبين".

والأمر نفسه ينطبق على مسألة العقاب الجماعي؛ الذي يتمثل  في فرض عقوبات على العديد من المدنيين بناءً على تصرفات فرد واحد أو أكثر.

يعود حظر العقاب الجماعي الدولي إلى اتفاقية لاهاي في عام 1899، وأكدته اتفاقية جنيف، وأصبح قانونًا دوليًّا عرفيًّا.

وقد أكدت السلطة القضائية الإسرائيلية مرارًا وتكرارًا التزامها بحظر العقاب الجماعي، بل وتسهل المادة 16 من قانون العقوبات الملاحقات القضائية على أساس الاتفاقيات الدولية، أما على أرض الواقع فإن الجيش الإسرائيلي يمارس بانتظام العقاب الجماعي على نطاق واسع، بما يشمل هدم منازل عائلات المشتبه في كونهم "إرهابيين" في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فضلًا عن الحصار الذي فرض على قطاع غزة 17 عامًا.

وتجدر الإشارة إلى أن المحاكم الإسرائيلية رفضت باستمرار الادعاء بأن هاتين السياستين تُعدّان عقابًا جماعيًّا.

وتسمح الفقرة (1) من المادة 119 من قوانين الطوارئ الإسرائيلية بهدم المنازل عقابًا على ارتكاب أفعال غير قانونية أو إذا كان هناك شك في ارتكاب فعل غير قانوني في ذلك المنزل، حتى وإن كان يعيش فيه أفراد من عدة أجيال. وهذا يتناقض تناقضًا مباشرًا مع المادة 33 من اتفاقية جنيف؛ إذ تتجاهل هذه السياسة أي أشخاص غير متورطين يعيشون في المنزل، ومن ثَم تشكل عقابًا جماعيًّا.

ومع ذلك، ففي عام 1986 قضت محكمة إسرائيلية بأن عمليات الهدم ليست عقابًا جماعيًّا، ولم تستند في ذلك إلى تأثير عمليات هدم المنازل (الذي يطول عائلات بأكملها)، بل استندت إلى اعتبار غريب يجعل المادة 119 الفقرة (1) زائدة عن الحاجة؛ لأنها لن تنطبق إلا على "الإرهابيين" الذين يُفترض أنهم يعيشون بمفردهم.

والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن المحكمة ذاتها زعمت أن عمليات الهدم تشكل "رادعًا" لا "عقابًا"، وأن التأثير الجماعي (للعقاب) في الواقع يعزز من تأثير الردع.

كما أبدى القضاة عدم رغبتهم في "التدخل"، لأنهم مترددون في انتهاك سلطة القادة الميدانيين الإسرائيليين، تاركين هذه القرارات بالكامل لتقديرهم، في انتهاك للمادة 71 من اتفاقية جنيف. وقد أغلقت هذه الأحكام فعليًّا الباب أمام المساءلة القضائية عن هذه الجريمة. وحتى يومنا هذا، لم يُحاكم أي جندي إسرائيلي بتهمة هدم منازل العائلات الفلسطينية.

وفي حالة الحصار الإسرائيلي على غزة، والذي يُعتَرَف به على نطاق واسع بأنه شكل من أشكال العقاب الجماعي، سعت إسرائيل أيضًا إلى التهرب من أحكام القانون الدولي.

فقبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، كان المسؤولون الإسرائيليون والخبراء القانونيون يزعمون أن الحصار كان مجموعة من العقوبات الاقتصادية، وبعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، فرضت الحكومة الإسرائيلية حصارًا شاملًا، وقطعت المياه والكهرباء والغذاء والإمدادات الطبية. وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان المختلفة أشارت إلى الأدلة الواضحة على العقاب الجماعي، ومن ضمنه المجاعة، فقد زعم المسؤولون الإسرائيليون أن قواتهم تسمح بمساعدات كافية "لمنع حدوث أزمة إنسانية". ووفقًا لمنظمة أوكسفام، يبلغ عدد السعرات الحرارية في غزة حاليًّا 245 سعرة حرارية للفرد في اليوم، أي ما يقرب من ربع الحد الأدنى المطلوب لتجنب المجاعة.

وفي ضوء هذه الخلفية من الممارسات المحظورة دوليًّا، والتي أقرتها استثناءات قانونية أنشئت قضائيًّا وتتناقض مع القانون الدولي، فشل النظام القانوني الإسرائيلي باستمرار في محاسبة السلطات الإسرائيلية على انتهاكات القانون الدولي. وفي الواقع، من خلال دعم الثغرات القانونية، سمح القضاء الإسرائيلي بالتعذيب، وأذن بحالات من العقاب الجماعي بشكل منهجي.

وعلى مر السنين، بذلت إسرائيل الكثير من الجهود للتغطية على الفجوة الهائلة بين المعايير الدولية وسياسات الجيش الإسرائيلي، والتي سهلتها منظومة معقدة من الاستثناءات القانونية. والآن انهار بيت العنكبوت.


تم نشر هذا المقال في الأصل باللغة الإنجليزية على موقع الجزيرة