تم نشر المقال الأصلي على موقع صحيفة ميدل إيست آي Middle East Eye

مضى أسبوعان على الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسورية، وتجاوز عدد القتلى حتى الآن 44 ألفًا. وفي الوقت نفسه، بدأت تتكشّف ببطءٍ معالم كارثة جديدة في شمال غرب سورية، ما أدى إلى مضاعفة خطر الأزمة الإنسانية الخطيرة أصلًا. وتفاقمت حالة الطوارئ المعقّدة في هذه المنطقة بفعل قضايا مثل عودة اللاجئين السوريين من المناطق المنكوبة في تركيا، وإعادة تهجير النازحين.

ومع الخطر الداهم الذي ينذر بتفاقم كارثةٍ إنسانيةٍ، تبرز حاجة لفهم مدى هذا الفشل، وضرورة التخطيط وتعبئة الجهود في مرحلة ما بعد الكارثة بشكل أفضل في المنطقة. ومع الاعتراف بمستوى هذا التحدّي، نستعرض خمس توصيات للتطلّع قُدُمًا، تتعلّق بكيفية الاستجابة بفعالية لمهمات الإغاثة والإنعاش في المناطق المنكوبة، ولا سيّما في شمال غرب سورية.

بدايةً، هناك حاجة ملحّة لتنسيق علاقات دبلوماسية إنسانية إقليمية ودولية، بهدف تبديد العقبات التي تعترض وصول المساعدات الإنسانية. فمنذ وقوع الزلزال، أدّت العديد من العوائق إلى تأخير المساعدات المنقذة للحياة ومنعت إيصالها في الوقت المناسب إلى المجتمعات المنكوبة، بخاصةٍ في شمال غرب سورية.

أعاقت بعض الجماعات المتمرّدة وصول المساعدات إلى المحتاجين، في حين ذكرت التقارير أنّ بعض المساعدات الدولية التي مرّت عبر الحكومة في دمشق كانت تُعرض للبيع في شوارعها.

بينما تعرّضت الأمم المتحدة للنقد بحق بسبب التأخيرات غير المقبولة في استجابتها لحالات الطوارئ، غير أنها تمتلك قدرات لا مثيل لها في مجال التنسيق الديبلوماسي متعدّد الأطراف، الذي يستطيع التوصّل إلى اتفاق يتيح إيصال المساعدات الإنسانية من دون عوائق إلى جميع مناطق سورية.

ثانيًا، من الضروري أن تأخذ الجهات المانحة والوكالات التي تتصدّى للأزمة، الوقتَ الكافي لزيارة شمال غرب سورية والاستماع بصدق إلى الأفراد والمجتمعات المنكوبة. ويشمل ذلك الوصول إلى الفئات الأضعف والتي تأثّرت بشكل غير متناسب بالأزمة - ولا سيما الفقراء والنازحين داخليا.       

ومع ذلك، ومع إنجاز عملية إيصال حزم الاستجابة لحالات الطوارئ أخيرًا، يتم التغاضي عن العديد من احتياجات السكان المحليين وأولوياتهم، وهو ما يتبع نمطًا جرت ملاحظته في العديد من الاستجابات للأزمات. ويكمن أحد هذه المجالات في المسألة التي يجري إغفالها والمتمثّلة في الدعم النفسي والاجتماعي للأشخاص في منطقة عانى فيها الملايين من اثني عشر عامًا من الحرب، فضلًا عن حالات النزوح المتعدّدة والصعوبات الاقتصادية الشديدة.

دروسٌ مستفادة من الماضي

ثالثًا، في الاستجابة للزلزال في سورية، يمكن الاستفادة من دروس من سياقات أخرى، حيث ضربت الكوارث مناطق كانت تشهد نزاعات، مثل الاستجابة في أعقاب تسونامي في سريلانكا، أو عمليات الإغاثة في النزاعات التي طال أمدها، كما هو الحال في ميانمار وجنوب الفلبين.

تتضمّن بعض الدروس الرئيسة أهمية الاستعداد والتخطيط للعمل بسرعة وبشكل حاسم، وتدريب المجتمعات المحلية في المناطق المعرّضة للمخاطر لتؤدي وظيفة أول المسعفين في غياب المسعفين الرسميين، وإجراء تدريبات على ما يجب القيام به في أثناء الزلازل.

بدأ المحللون أيضًا في لفت الانتباه بشكل أكبر إلى كيفية الاستفادة من دروس الماضي ضمن المناطق المنكوبة لتحسين الاستجابة لحالات الطوارئ في الكوارث المستقبلية.      

ففي تركيا، يدعو الخبراء إلى إجراء تحقيقات رسمية في الأخطاء التي ارتكبت ولماذا تم تطوير قوانين البناء في أعقاب زلزال إزميت / جولجوك عام 1999. وفي سورية التي بالكاد تتبنى أي معايير للزلازل، تمحور الاهتمام بشكل أساسي حول ما كان يجب على المجتمع الدولي والقوى المحلية فعله وما ينبغي القيام به في الحالات المستقبلية، مثل تحقيق تنسيق أفضل لإيصال المساعدات.

رابعًا، عندما تبدأ السلطات المعنية في التفكير في إعادة الإعمار، هناك ضرورة لدمج التكنولوجيا المقاومة للكوارث - الزلازل والمخاطر الأخرى - في جهود إعادة البناء للاستعداد بشكل أفضل للكوارث المستقبلية، ولا سيما في سورية.    

وقد سلّط الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسورية، الضوءَ على هشاشة البيئة المشيّدة في المناطق المنكوبة. فشعوب البلدين غاضبين بشدّة لغياب الاستعداد للكوارث.

وفي تركيا، من بين أشياء أخرى كثيرة، جرى طرح أسئلة بشأن الإساءة المحتملة لاستخدام الأموال العائدة من "ضريبة الزلزال" التي تم تحصيلها منذ كارثة زلزال إزميت / جولجوك عام 1999 والتي جرى تخصيصها لجعل المباني مقاومة للزلازل. انعكس عدم الاهتمام بالاستعداد للكوارث في ممارسات البناء من خلال الإخفاق في إنفاذ قوانين البناء، أو الفشل في تعديل المباني لجعلها تحظى بميزات مقاومة للزلازل، ما أدى إلى انهيار المباني التي تم تشييدها مؤخرًا، في إثر وقوع الزلزال.

ووفق التقديرات الحالية، يتراوح الإطار الزمني للتعافي في سورية بين خمس وعشر سنوات، في حين أن تركيا قد تحتاج إلى سنتين أو ثلاث سنوات.

مساعدات طويلة الأمد

صحيح أن الزلازل طبيعية وحتمية في منطقة نشطة زلزاليًا، إلا إن الكوارث الناجمة عنها هي من صنع الإنسان إلى حد كبير. ويمكن الحدّ من المعاناة والدمار، أو التخفيف من حدّته إلى درجة كبيرة من خلال ممارسات البناء المقاومة للكوارث.

وتشمل الأمثلة الواعدة على ذلك، المنازلَ المبنية من الطوب الطيني لإيواء النازحين في شمال غرب سورية. وفي إحدى هذه القرى التي تضمّ نحو 500 أسرة، أو 2,600 مقيم، لم تقع أي إصابة نتيجة الزلزال، على الرغم من موقع القرية في المناطق المنكوبة.

هناك حاجة لتوسيع نطاق هذه الأساليب المبتكرة للإيواء، والتي توفّر مزيدًا من الخصوصية والحماية والكرامة مقارنة بالخيام، وهي في الوقت نفسه أرخص ثمنًا ويجري تشييدها بطريقة أسرع من المنازل المصنوعة من الإسمنت.

وفي الوقت الذي كان يجب أن تتعرّض فيه إسرائيل / فلسطين ولبنان والأردن لوقوع زلزال ضخم منذ وقت طويل، يشكّل الدمار في تركيا وسورية هو أيضًا صيحة تنبيه قاتمة تبيّن الحاجة الأوسع للاستثمار في عملية الاستعداد لحالات الطوارئ في جميع أنحاء المنطقة.

وأخيرًا، هناك حاجة ملحة لحشد المساعدات الإقليمية والدولية لدعم منطقة شمال غرب سورية على المدى المتوسّط والطويل، وعدم اقتصار المساعدات على المساعدات الإغاثية قصيرة الأجل فحسب.

تعاني منطقة شمال غرب سورية بالفعل من احتياجات إعادة الإعمار التي لم تتم تلبيتها نتيجة لأكثر من عقد من النزاع المدمّر، ولا يتعلّق الأمر بالزلزال فحسب. وفي الوقت الذي يحتاج فيه السكان بشكل عاجل إلى مساعدات منقذة للحياة، يجب أن يكون هناك تركيز خلال الأشهر المقبلة على جهود التعافي وإعادة الإعمار طويلة الأمد في شمال غرب سورية.

إن الوضع الذي جعل من منطقة شمال غرب سورية منطقة مهملة ومحاصرة طوال الاثني عشر عامًا الماضية، هو في حد ذاته مصدر رئيس لتعرّض المنطقة للزلازل والكوارث الأخرى. إذ أدّى الخنق والحصار البطيئان لمنطقة شمال غرب سورية إلى تدمير قدراتها الإنتاجية والقضاء على اقتصادها المحلي، ما جعل المنطقة تعتمد على المساعدات الخارجية.

في الأسابيع والأشهر المقبلة، هناك ضرورة ملحّة ليس لإنقاذ الأرواح فحسب، بل أيضًا لدعم سبل العيش وبناء القدرات المحلية من أجل الصمود في مواجهة الصدمات المستقبلية.