نظّم مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني في الدوحة ندوة بعنوان "السودان: المسار إلى الاستقرار والسلام والانتقال الديمقراطي"، وذلك بتاريخ 2 أيلول/سبتمبر 2023. شارك في هذه الندوة أعضاء من المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير وهم: الأستاذ الواثق البرير، وهو أمين عام حزب الامة القومي، والأستاذ بابكر فيصل، وهو رئيس المكتب التنفيذي للتجمع الاتحادي، والمهندس عمر الدقير، وهو رئيس حزب المؤتمر السوداني. انعقدت الندوة في المبنى الثقافي بمعهد الدوحة للدراسات العليا حضورياً، وتم بثها عبر منصات التواصل الاجتماعي للمركز. جمعت الندوة مجموعة واسعة من الشخصيات من داخل السودان والشتات من مشارب فكرية وسياسية مختلفة، ونخبة من الأكاديميين والدبلوماسيين والباحثين والصحفيين المهتمين بالشأن السوداني.

استهل الندوة الدكتور غسان الكلحوت، مدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني، بتقديم المركز كمؤسسة بحثية مستقلة، تقدِّم دراسات أكاديميَّة عابرة للتخصصات تتناول أسباب النزاعات وآثارها، والأزمات الإنسانية، وهشاشة الدولة، وحل النزاعات بالطرق السلمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومحيطها الإقليمي. كما يسعى المركز إلى الجمع بين النظرية والسياسة والممارسة العملية من أجل تطوير السياسات التي من شأنها أن تسهم في حل الأزمات. و أكد تأييد المركز للجهود الرامية إلى إنهاء الحرب المدمرة، وأوضح أن الحل الوحيد لهذه الأزمة يكمن في التوافق وتحقيق انتقال ديمقراطي يؤسس لنظام حكم مدني ديمقراطي في دولة يحكمها القانون وتصان فيها حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

في مداخلته الأولى، قدّم الأستاذ الواثق البرير إضاءات محددة حول مستقبل السودان بعد حرب 15 أبريل من العام الحالي، وذكر أن هذه الحرب قد أنهكت البلاد ودمرت البنية التحتية والاقتصادية وأفرزت أوضاعًا إنسانية كارثية مما يتطلب سرعة التحرك إلى مسار سياسي عاجل ينهيها ويستعيد الاستقرار ويعالج آثارها ويعيد بناء ما تم تدميره. وقد أشار البرير إلى أن جهود قوى الحرية والتغيير والقوى السياسية والمدنية ينصب في مسارين أساسيين لمعالجة الأزمة، أولهما، الإسراع في الوصول لوقف دائم لإطلاق النار والأعمال العدائية، ومعالجة الأزمة الإنسانية وفتح الممرات لإيصال المساعدات الإنسانية وتيسير عودة النازحين لديارهم، وهو ما يتطلب تكثيف الجهود وحشد الدعم الداخلي والدولي وتوحيد المبادرات ودعم منبر جدة التفاوضي الذي بلغ مراحل متقدمة ويحظى بقبول طرفي النزاع.

وفي هذا الإطار، أشار إلى جهود قوى الحرية والتغيير في التواصل مع طرفي النزاع ووفد الوساطة السعودية-الأمريكية، ومع الأطراف الدولية والإقليمية الأخرى دولًا ومنظمات من أجل دعم وصول طرفي النزاع لاتفاق ينهي الحرب.  بينما يتمثل المسار الثاني في العمل على تشكيل جبهة مدنية عريضة تستوعب كافة القوى السياسية والمدنية والمجتمعية المطالبة بوقف الحرب والداعمة للتحول الديمقراطي والإصلاح المؤسسي والتوافق على تصميم عملية سياسية جامعة تشمل كافة القوى السياسية والمدنية للاتفاق على مشروع وطني واضح لإنقاذ البلاد من التفكك ويعالج كافة جذور وأسباب الحروب ونقل البلاد إلى مرحلة التحول الديمقراطي الكامل.

أمّا المداخلة الثانية، التي قدّمها الأستاذ بابكر فيصل، فقد ركّزت على الاتفاق الإطاري ومدى مساهمته في اندلاع الحرب الحالية ودور قوى الحرية والتغيير في هذا السياق. كما أوضح الأستاذ بابكر أن قيادة الحرية والتغيير تعرضت لضغوطات بسبب رفضها الاصطفاف مع قوات الدعم السريع ضد الجيش، مع التأكيد على إبداء استعدادهم للتعاون مع طرفي النزاع لإنقاذ السودان.

تابع المتحدث مداخلته بالإشارة إلى أن قيادة الحرية والتغيير قررت الخروج بوثيقة دستورية عبر لجنة تسيير نقابة المحامين، وهي وثيقة لم تكن حكرًا على قوى الحرية والتغيير، إنما شاركت فيها الحركات الموقعة على اتفاقية سلام جوبا، وحزب المؤتمر الشعبي، وحزب الاتحاد الأصل، والحزب الجمهوري، وجماعة أنصار السودان. وأضاف بأن الاتفاق الإطاري لم يمنح قوات الدعم السريع الاستقلالية كما يروّج البعض، بل هي قوات مكونة من طرف النظام السابق، ويموافقة حزب المؤتمر الوطني، الذي كان حزبًا حاكمًا لمدة ثلاثين عامًا، ومنحتها قوة عبر برلمانها بقانون أُجيز عام 2017. كما أشار إلى أن قوى الحرية والتغيير ترفض تعدد الجيوش، وأكّد على دعوة الاتفاق الإطاري إلى دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة والدخول في حركة إصلاحات أمنية وعسكرية في البلاد وتلا النص في الاتفاقية. وشدّد على أن قوى الحرية والتغيير قد أدانت الجرائم الجسيمة والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان من جانب قوات الدعم السريع.

تابعت الجلسة الثالثة أعمالها بمداخلة للأستاذ عمر الدقير، سلّط فيها الضوء على الطريق للأمام نحو وقف الحرب واسترداد مسار التحول المدني الديمقراطي، موضحًا بأن الحرب هي عبارة عن تهديد وجودي للسودان. ويرى الدقير بأن الحل الوحيد للخروج من الأزمة هو وقف الحرب واستكمال الثورة السودانية والبدء بالإصلاح السياسي والاقتصادي والمؤسسي، واصفاً فترة نظام الإنقاذ السابق الذي حكم البلاد لمدة 30 سنة بالفساد والاستبداد. وأشار إلى أن عملية بناء السلام تتطلب توحيد للإرادة من جانب الشعب السوداني والعمل بشكل جماعي للخروج من هذه الأزمة.

أعقب الحوار جلسة أسئلة وأجوبة مع الحضور، حيث طرح الجمهور أسئلة حول مجموعة متنوعة من القضايا، التي دارت في مجملها حول الرد على وجهات النظر المختلفة لمواقف قوى الحرية والتغيير من الأزمة الراهنة وجهودهم الدبلوماسية لحل الحرب ومستقبل الحرب والعملية السياسية في السودان، وقد استمع المتحدثين إلى وجهات النظر المتنوعة حول الطروحات والمبادرات السياسية الموجودة على الساحة السودانية وآفاقها.

يّشار إلى أنّ هذه الندوة مبادرة أكاديمية مستقلة، وهي فرصة لفتح حوار بين الأكاديميين والسياسيين والخبراء من أجل طرح الأفكار المتعلقة بالمستقبل السوداني، كما أنّ مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني قد استضاف في وقتٍ سابق العديد من الجلسات الحوارية المتعلقة بالسودان. و سوف يتبع المركز الندوة بسلسلة ندوات تمثل أطرافًا أخرى في المشهد السوداني.

في هذا الصدد، نحن نقر ونتفهم أن المشاعر تتصاعد في السودان بينما تستمر الحرب وأن الخطاب العام مستقطب للغاية في الوقت الحالي. لذلك، يجدد مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني التزامه بمبادئ الحوار والنقاش المفتوح واحترام الآراء المختلفة حول مختلف القضايا.