المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، يتحدث للصحفيين خلال مؤتمر صحفي في الدوحة، قطر، 23 نوفمبر 2023. (المصدر: رويترز/عماد كريدي)

بدأ تنفيذ الاتفاق الإسرائيلي الفلسطيني على الهدنة المؤقتة صباح يوم الـ24 من تشرين الثاني/ نوفمبر. وقد تم هذا الاتفاق بفضل الوساطة القطرية على نحوٍ أساسي. ووفقًا للإعلان الرسمي فمن المفترض أن تنتهي هذه الهدنة بعد أربعة أيام؛ لكن تم الترتيب لها بحيث تكون قابلة للتمديد لاحقًا.

لذا لا بد خلال الأيام المقبلة من تعزيز الجهود من أجل الانتقال من حالة الهدنة الهشة والمؤقتة، القائمة على إتمام عمليات تبادل الأسرى المحدودة والسماح بدخول الإغاثة الإنسانية إلى القطاع، إلى حالة أكثر استقرارًا وأطول مدة لوقف إطلاق النار، وذلك على أمل أن يتمكن السكان المدنيون في قطاع غزة من الحصول بانتظام على كميات كافية من المساعدات الإنسانية التي هم بأمسِّ الحاجة إليها. وقد أجريت بالفعل بعض المفاوضات بغية إنهاء هذه الحرب المروعة وإتمام عمليات التبادل الشامل للأسرى.

في الواقع، ثمة عديد من الأسباب التي تدعو إلى التشاؤم، إذ إن لدى القيادة الإسرائيلية -وليس فقط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو- العديد من الدوافع لمواصلة وتصعيد الهجوم العنيف على السكان والبنية التحتية في قطاع غزة. فالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية لم تحقق بعد هدفًا عسكريًّا ذا قيمة تحفظ به ماء وجهها، ولو جزئيًّا، وتمحو وصمة العار التي لحقت بها إثر فشلها الكارثي في 7 تشرين الأول/ أكتوبر. أما نتنياهو فيعتقد أنه إذا استمر في الحرب فسيتمكن من إنقاذ حياته السياسية، أو على الأقل إبرام صفقة تحول دون توجيه اتهامات بالفساد له، تؤدي إلى الحكم عليه بالسجن. كذلك فإن العديد من أهم شركائه في الائتلاف يرون في الأزمة الحالية فرصة ذهبية للوصول إلى "إسرائيل الكبرى"؛ من خلال الاستمرار في عمليات الاستيلاء على الأراضي على نطاق واسع، وكذلك تنفيذ أعمال التطهير العرقي في جميع أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة. أما الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون من جهتهم فهم مهتمون بضمان عدم قدرة حماس على حكم قطاع غزة.

ورغم ذلك، يبدو أن قادة إسرائيل وقادة حلفائها الغربيين بدؤوا يدركون أن الجيش الإسرائيلي غير قادر على القضاء على حماس، وأن استمرار الهجوم من شأنه أن يكبِّدهم تكاليف سياسية واقتصادية وعسكرية لا يقدرون على تحملها؛ إذ إنه من الممكن أن تتحمل إسرائيل وأن تتسبب بضرر دبلوماسيٍّ كبيرٍ يلحق بالغرب وبنظامه الدولي القائم على القوانين، والذي انكشفت تناقضاته بوضوح خلال الأسابيع التي سبقت التوصل إلى الاتفاق.

وقد تشهد مرحلة الهدنة أيضًا- رغم قصر مدّتها- تفككًا متسارعًا للحكومة الإسرائيلية. فمن المتوقع أيضًا أن يدعم الرأي العام الإسرائيلي تمديد الهدنة من أجل تسهيل مزيد من عمليات إطلاق سراح الأسرى في حال نجاح عملية التبادل هذه.

والأهم من ذلك، تنامي الإدراك في واشنطن والعواصم الأوروبية بأنَّ تجدُّد الأعمال العدائية سيترافق مع التصعيد الإقليمي الذي سيؤدي -على الأرجح- إلى تدخل أميركي أكبر وأكثر تكلفة. كما ستتزايد مع الوقت احتمالات مواجهة تحديات تعرقل أمن واستقرار حلفائها الإقليميين. فضلًا عن هذا يبدو أن ثقة الولايات المتحدة بالتخطيط العسكري الإسرائيلي والقدرات العسكرية الإسرائيلية أصبحت تتراجع بسرعة.

من المرجح أن يبدي الفلسطينيون تعاونًا أكبر في محاولات تحقيق أي تمديد للهدنة، لا لأنهم يائسون، بل لأن الاتفاق الحالي يتوافق إلى حد بعيد مع الشروط التي اقترحوها أصلًا قبل بدء الغزو البري الإسرائيلي. لقد أثبتت حماس من خلال فرض شروطها قدرتها على النجاة من حملة القصف الأكثر وحشية في تاريخ الشرق الأوسط، كما أثبتت أيضًا أن ملف الأسرى لن يُحَل إلا بالتفاوض والاتفاق لا بالقوة العسكرية. في الوقت نفسه، فإن التكاليف الباهظة التي تسببت بها إسرائيل من خلال انتقامها الوحشي من سكان قطاع غزة ستزيد من سعي الحركة الفلسطينية إلى تخفيف الضرر عن المجتمع الفلسطيني وتحقيق العودة السريعة إلى الحياة الطبيعية داخل الأراضي الساحلية.

مع رفض كل من حماس وإسرائيل الانخراط في المفاوضات المباشرة، وعدم رغبة الولايات المتحدة في التفاوض مع المسلحين الفلسطينيين، تمكنت قطر ومصر من الاضطلاع بدور الوسيط على أساس العلاقات القائمة مع كل الجهات المعنية. ومن ثم فإنهما في موقف جيد يسمح لهما بأخذ زمام المبادرة في طلب تمديد الهدنة وبذل الجهود لتحويلها إلى وقف رسمي، أو على الأقل غير محدود المدة، لإطلاق النار.

وبلا شك فإن المدخل لأي مبادرة من هذا القبيل هو اقتراح تبادل آخر للأسرى، وهو الهدف الذي يسعى كل من الطرفين إلى تحقيقه. في الاتفاقية الحالية سيُطلَق سراح النساء والأطفال فقط من الإسرائيليين أو مزدوجي الجنسية، وقد تم ذلك في المقام الأول لتهدئة المخاوف الإسرائيلية من أن يعطي حلفاؤها الأولوية للإفراج عن مواطنيهم ثم يتخلوا عن المفاوضات. لكن هذا الأمر يشكل أيضًا دافعًا للولايات المتحدة لتوظيف نفوذها في إسرائيل ومنعها من استئناف الأعمال العدائية. (وجبت الإشارة إلى أن إطلاق سراح الأسرى التايلانديين والفلبينيين كان مستقلًّا عن اتفاقية الهدنة الإسرائيلية الفلسطينية).

إن وجود الصيغة والآليات اللازمة سيسهل تنظيم عملية إطلاقِ سراحٍ تدريجي للأسرى المدنيين المتبقين في قطاع غزة، وإطلاق سراح عدد أكبر من المعتقلين الفلسطينيين. كما أن إطالة مدة الهدنة ستقلل من احتمال استئناف الأعمال العدائية، لكنها -بطبيعة الحال- لا تلغيها تمامًا. وكذلك يرى البعض- وإن كان ذلك دون الاستناد إلى دلائل كثيرة- أن الاعتراف العالمي بالحجم الهائل للموت والدمار في قطاع غزة، والضغط الشعبي على الحكومات الغربية لحملها على سحب دعمها للهجوم العسكري الإسرائيلي، من الممكن أن يساهم أيضًا في هذا السياق.

أمّا فيما يخص تبادل الأسرى العسكريين، الذي سيتطلب إطلاق سراح جميع المعتقلين الفلسطينيين المتبقين، فسيحتاج وقتًا وجهدًا أكثر، لأنه سيشمل أيضًا ترتيبات تتعلق بوقف إطلاق النار غير محدود المدّة، وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وبطبيعة الحال ترتيبات أوسع تتعلق بكل من قطاع غزة والعلاقات الإسرائيلية الفلسطينية.

ويبدو أن قطر ومصر قد شرعتا بالفعل في بذل الجهود لتمديد الهدنة عدة أيام، على الأقل مبدئيًّا. إلا أن الوضع لا يزال هشًّا للغاية؛ بسبب عدم وجود مراقبين على الأرض، لذا فإن احتمال تجدد الأعمال العدائية ما يزال قائمًا في أي لحظة. وهذا ما يوجب أن تكون الأولوية الآن لنشر فريق لمراقبة تنفيذ الهدنة، ومن ثم انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، من أجل تسهيل إجراء مزيد من المفاوضات.

لقد أثبتت قطر أنها وسيطٌ موثوقٌ به يمكنه الوفاء بالالتزامات المختلفة التي تعهدت بها الأطراف، ولذا ينبغي لها أن تستفيد من رأس المال السياسي الذي راكمته خلال الأسابيع الأخيرة، ليس فقط من أجل تسهيل أولويات أولئك الذين تتعامل معهم، بالتعاون مع مصر، ولكن أيضًا لصياغة وتعزيز المقترحات التي يمكن أن تضع حدًّا لهذه الحرب المدمرة، وتعالج المسائل السياسية الأساسية التي يلزم حلها لمنع حدوث كارثة لاحقة.