تم نشر المقال في الأصل باللغة الإنجليزية على موقع ميدل إيست آي
في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، شنت حماس هجومًا على جنوب إسرائيل بهدف تقويض الوضع الراهن المتأزم بما لا رجعة معه. ومع أن الأزمة قد اندلعت بالفعل في ذلك اليوم وما تزال مستمرة حتى الآن بعد عام كامل، فإن جذورها تعود إلى عقود مضت.
تجلى رد الفعل الأولي لإسرائيل في شن حملة إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، مدفوعة بالانتقام والتعطش للدماء، وبهدفٍ لم يكن مقتصرًا على القتل والتدمير على نطاق واسع فحسب، بل جعل قطاع غزة غير صالح للعيش.
كانت الإبادة الجماعية هي الثمن الذي كان الرعاة الغربيون لإسرائيل على استعداد لدفعه كي تجعل إسرائيل من قطاع غزة عبرة للآخرين، ومن ثَم إعادة فرض قوتها الردعية المحطمة.
ولضمان قدرة إسرائيل على شن هجماتها الشرسة على قطاع غزة من دون عقاب، والهروب من أي مساءلة عن أفعالها، فقد تعمَّد رعاة إسرائيل وحلفاؤها الغربيون، بقيادة الولايات المتحدة، تجاهل القانون الدولي والمعايير والقيم التي يقوم عليها.
وكان كل تجاوز إسرائيلي لخط أحمر جديد -مثل قصف وتدمير المستشفيات والمدارس ومراكز اللاجئين، والتحويل العشوائي لأجهزة الاتصال إلى قنابل يدوية، وقتل وإصابة المئات لإنقاذ أربعة رهائن- مُبرَّرًا بكونه عملًا مشروعًا للدفاع عن النفس.
لقد جعلت هذه العملية العالم مكانًا أكثر خطورة بالنسبة لنا جميعًا في سبيل الحصانة الإسرائيلية.
استراتيجية فاشلة
لم تفشل إسرائيل، على مدار العام الماضي، في تحقيق إنجاز عسكري في قطاع غزة فحسب، بل فشلت أيضًا في صياغة استراتيجية واضحة؛ ولا ريب أن شعارات مثل "النصر الكامل" وعقدة تشرشل لا يمكن أن تعد بديلًا عن الرؤية السياسية.
وقد بدأ هذا الوضع يتغير الآن على ما يبدو؛ إذ إن اغتيال إسرائيل للأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، ومعه تقريبًا جميع قادة الحركة العسكريين، منحها الثقة بقدرتها على تفكيك التحالف المعروف بمحور المقاومة.
وتتمثل المبادرة الرئيسة في هذا الصدد في غزو لبنان الجاري حاليًّا، الذي يشهد تجاوز كل الخطوط الحمراء التي انتهكت في غزة، مرة أخرى، من دون أن يصدر أي رد فعل يذكر من العواصم التي اعتادت أن تعِظَ المنافسين والخصوم والكيانات الأخرى الأقل شأنًا بقدسية حكم القانون وحقوق الإنسان والمبادئ المماثلة.
كان واضحًا منذ البداية أن الهدف النهائي لإسرائيل هو تغيير النظام في إيران، بناءً على افتراض خاطئ مفاده أن الحكومة الإيرانية التي تنأى بنفسها عن الصراع مع إسرائيل سوف تحول الفلسطينيين، والعرب عامة، إلى قطيع منقاد لا حول له ولا قوة.
يبدو أن إسرائيل مقتنعة بأن الطريق إلى طهران يمر عبر الضاحية الجنوبية لبيروت.
وقد أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، هذا في 30 أيلول/ سبتمبر عندما تعهد للإيرانيين بأن "إيران ستكون حرة في وقت أقرب مما يعتقد كثيرون".
تتطلب أجندة إسرائيل منها التخطيط لمواجهة عسكرية مباشرة بين واشنطن وطهران، ولعل الرئيس الأميركي جو بايدن كان الفرصة التي لطالما استعصت عليها في السابق لتحقيق أهدافها.
ومع ذلك فقد أثبت لبنان مرارًا وتكرارًا أنه مقبرة للغطرسة الإسرائيلية والأميركية.
سواء في عام 1982، عندما أرست عملية الصنوبر الكبرى بقيادة أرييل شارون الأساس لظهور حزب الله، أو في عام 2006، عندما تبين أن "آلام ولادة الشرق الأوسط الجديد" التي تحدثت عنها كونداليزا رايس كانت مجرد إجهاض.
وستحدد الأسابيع المقبلة ما إذا كانت إسرائيل قادرة على استئناف حل القضية الفلسطينية من جانب واحد بشروطها الخاصة، ومن ثم تحديد مصير الشعب الفلسطيني، أو ما إذا كان السابع من تشرين الأول/ أكتوبر سيُسجَّل في التاريخ بوصفه لحظة بداية تفكك المشروع الصهيوني في فلسطين.