نظّم مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني في الدوحة ندوةً نقاشية عن بعد تحت عنوان: "قطاع غزة بعد 15 عامًا من الحصار وخمس حروب: أصوات من الداخل"، وذلك يوم الثلاثاء 30 آب/ أغسطس 2022. وقد شهدت الندوة حضورًا واسعًا من الباحثين الأكاديميين والخبراء والممارسين العرب والأجانب وطلبة الماجيستير. تضمن جدول أعمال الندوة كلمة افتتاحية ألقاها الدكتور غسان الكحلوت، مدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني، تبعتها مداخلة بعنوان: "إعادة إعمار قطاع غزة: تدمير متواصل وإعادة إعمار خجولة"، ألقاها الدكتور مازن العجلة، الباحث والمحاضر في الاقتصاد بقطاع غزة، ومداخلة بعنوان: "العدوان على غزة 5-7 أغسطس 2022.. أضرار البنية التحتية وآثارها"، ألقاها المهندس صلاح عبد اللطيف طه، ومداخلة بعنوان: "الآثار النفسية للصدمات النفسية في قطاع غزة.. جروح لا تندمل"، ألقاها الدكتور ياسر أبو جامع، مدير برنامج غزة للصحة النفسية، ومداخلة بعنوان: "آثار الحرب على أوضاع النساء والأطفال النفسية والاجتماعية"، ألقتها الأستاذة ريم فرينة، مديرة جمعية عائشة لحماية المرأة والطفل بغزة.

في البداية رحّب الدكتور غسان الكحلوت بالمشاركين، ومن ثم قدّم لمحة عامة عن المشهد في قطاع غزة، فأوضح أن القطاع يُعدُّ منطقة معزولة تغطي مساحة 365 كيلومترًا مربعًا، بتعداد سكاني يتجاوز مليوني نسمة، وهو يخضع للاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967. في حزيران/ يونيو 2007، فرض الاحتلال الإسرائيلي حصارًا بإغلاق الحدود الجوية والبرية والبحرية، فيما يعرف بأنه إنشاء أول سجن مفتوح واسع النطاق في العالم. وبموجب هذا الحصار، قيد الكيان الإسرائيلي حرية الحركة والتنقل للمواطنين، وفرض قيودًا صارمة على السفر بين القطاع والضفة الغربية، والسفر من القطاع إلى العالم الخارجي، مع منع دخول البضائع وخروجها إلا بالحد الأدنى، والتحكم في الوصول إلى أراضي القطاع ومياهه الإقليمية ومجاله الجوي.

في مداخلته، ركّز السيد الدكتور مازن العجلة على عملية إعادة إعمار قطاع غزة والتدمير المتواصل له، وأوضح أن الحديث حول إعادة إعمار قطاع غزة بمفهومه الواسع؛ إذ ليس الضرر الواقع على القطاع هو نتيجة للعمليات العسكرية فحسب، بل ثمة ضرر بالغ نتيجة حصار عناصر الإنتاج، كما يسميها. وأشار الدكتور العجلة إلى أن قطاع غزة ما يزال خاضعًا للاحتلال الإسرائيلي العسكري الاستعماري، وهو ما يعني أن هناك منظومة كاملة يمارسها الاحتلال تدور حول معوقات كثيرة تجلت بالحصار الواسع والعميق والشامل منذ عقد ونصف حتى الآن، وهو ما أدى إلى تحويل قطاع غزة إلى مجتمع هش، بمفهوم الهشاشة الواسع، وهذا ما يدفع إلى القول بعدم جواز وضع قطاع غزة ضمن إطار مرحلة ما بعد الصراع.

وتابعت الندوة أعمالها بمداخلة للمهندس صلاح عبد اللطيف طه، الذي قدم تقييمًا للأضرار التي ابتلي بها القطاع بعد العملية العسكرية عام 2022، وأثر هذه الأخيرة في البنية التحتية. وأشار إلى أن العدوان العسكري الأخير ليس الأول، إنما سبقته عدة اعتداءات راكمت الأضرار وزادت معالجتها صعوبة وتعقيدًا أمام المؤسسات المعنية. وتطرق إلى أن العدوان الأخير استهدف جميع محافظات قطاع غزة المتمثلة في رفح، وخانيونس، والوسطى، وغزة، والشمال. وأوضح أن قطاعات البنية التحتية تأثرت تأثرًا كبيرًا منذ بدء الحصار على غزة عام 2007، ثم تراكمت مع بدء العدوان المدمر الذي شنه الاحتلال الإسرائيلي على غزة عام 2008-2009، حيث طال العديد من المنازل والمرافق والمنشآت الاقتصادية، وبعضها لم يُعَدْ إعمارُه حتى اليوم، وخاصة المنشآت الاقتصادية.

وسلّط الدكتور ياسر أبو جامع، مدير برنامج غزة للصحة النفسية، الضوء على الارتفاع المتزايد في الضغوط والصدمات النفسية للسكان من الأطفال والبالغين؛ بسبب تكرار الحروب وما ينتج عنها من ضغوط يومية اقتصادية. وأشار أبو جامع إلى أن الظروف الاجتماعية والنفسية صعبة ومعقدة، نظرًا للاحتلال طويل الأمد، والحصار المفروض على غزة، والمشاكل الحياتية المتعلقة بنقص الكهرباء ومشاكل الطاقة، بالإضافة إلى تداعيات الانقسام الفلسطيني، وأعداد اللاجئين الضخمة في غزة، ومستويات الفقر والبطالة المرتفعة. وأضاف أنه بسبب سنوات الحصار كان لوباء كورونا أثر شديد في القطاع الصحي وفي الوضع الاجتماعي والنفسي في غزة. وأكّد أن أهم الوسائل التي يتمكن من خلالها سكان قطاع غزة من التغلب على الصعوبات النفسية والاجتماعية، وهو وجود القدرة على الدعم من المجتمع، قد تأثرت كثيرًا بسبب الوباء والتحديات الاقتصادية التي يمر بها المجتمع منذ وقت طويل.

بدورها أكدت السيدة الأستاذة ريم فرينة، مديرة جمعية عائشة لحماية المرأة والطفل بغزة، أن الفقر والحروب على غزة قد أدت إلى العديد من المشاكل النفسية والعنف الأسري والاكتئاب ومحاولات الانتحار. وأضافت أن تكرار الحروب على غزة أدى إلى فقدان الحماية في كثير من الحالات، والتعرض للعنف بسبب أحداث الحرب، وأوضحت أن 75% من النساء المستجيبات للمسح صرحن بتعرضهن للعنف خلال الحرب.

أعقب الحوار جلسة أسئلة وأجوبة مع الحضور، حيث طرح الجمهور أسئلة حول مجموعة متنوعة من القضايا، التي دارت في مجملها حول: دور الحكومة في قطاع غزة داخليًّا وعلى الصعيد الدولي، وطريقة استجابتها لهذه الأحداث، وحول تعاملها مع الحكومة الإسرائيلية، وما إذا كان هناك اتصال بين الحكومة في غزة والحكومات الأخرى. بالإضافة إلى ذلك تطرقت الأسئلة إلى آليات التكيف المحلية مع هذه الضغوط، ومدى توافر برامج معالجة الصدمة ما بعد الحرب والآثار النفسية؛ وكذلك تطرقت إلى العمل الإنساني، والمنح الخارجية، ودور المنظمات الدولية، والأوضاع السياسية والأمنية في القطاع.

بشكلٍ عام، تضمنت الندوة مجموعة شاملة من وجهات النظر الأكاديمية متعددة التخصصات، وتناولت مجموعة من الموضوعات المتعلقة بعملية إعادة إعمار قطاع غزة، واستراتيجيات السكان للتكيف مع هذه الظروف الصعبة، ومن بينها الصدمات النفسية التي يعاني منها السكان. كذلك، تضمنت تقييمًا للأضرار ما بعد العملية العسكرية الأخيرة، وتداعيات الحصار على الاقتصاد والاجتماع والحياة اليومية للفلسطينيين في قطاع غزة. وأخيرًا، سعت الندوة إلى المساهمة في رؤى تحليلية جديدة وخطوات عملية إلى الأمام يمكن أن تعزز الاستراتيجيات الإنسانية وإعادة الإعمار، وقدمت مجموعة من وجهات النظر والرؤى المفيدة لأصحاب المصلحة المعنيين بغزة.

عقدت الندوة عن بعد عبر تطبيق زووم وبثت مباشرةً باللغتين العربية والإنكليزية على مواقع التواصل الاجتماعي لمركز دراسات النزاع والعمل الإنساني؛ يوتيوب وتويتر وفيسبوك