نظّم مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني، بالتعاون مع هيئة تنظيم الأعمال الخيرية بدولة قطر، ندوةً حملت عنوان "إنقاذ الجوهر: تجربة المنظمات الإنسانية القطرية في التكيّف مع المشهد الإقليمي المتغيّر"، وذلك بتاريخ 12 حزيران/ يونيو 2022. ورسمت الندوة، التي عُقدت في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بمعهد الدوحة للدراسات العليا، صورة عامة لتأثيرات المشهد الإقليمي المتغير في عمل المنظمات الإنسانية في قطر، وجمعت ممثلين من هيئة تنظيم الأعمال الخيرية (RACA)، وقطر الخيرية (QC)، وجمعية الهلال الأحمر القطري (QRCS)، وخبيرًا دوليًّا في الشأن الإنساني. واشتمل جدول أعمال الندوة على كلمة افتتاحية ألقاها الدكتور غسان الكحلوت، مدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني، تبعتها مداخلة هيئة تنظيم الأعمال الخيرية ألقاها مستشار مكتب المدير العام للهيئة السيد علي عبد الله الأنصاري، ومداخلة الهلال الأحمر القطري ألقاها سعادة السفير الأمين العام للجمعية السيد علي بن حسن الحمادي، ومداخلة منظمة قطر الخيرية ألقاها السيد محمد علي الغامدي، مساعد الرئيس التنفيذي لقطاع الحوكمة في قطر الخيرية، ومداخلة الخبير في العمل الإنساني والمدير الإقليمي السابق لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الدكتور إياد نصر.

وقد شهدت الندوة حضورًا واسعًا من الممارسين في المجال الإنساني والباحثين الأكاديميين والخبراء العرب والأجانب وطلبة الماجيستير من مختلف الدول العربية، وغيرهم من الأفراد المهتمين بدراسات النزاع والعمل الإنساني والخيري. في البداية رحّب الدكتور غسان الكحلوت بالمشاركين، مؤكدًا أن انعقاد هذه الندوة يأتي انسجامًا مع مبادئ مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني التوجيهية، المتمثلة في التوفيق بين السياق والمشاركة والتعاون من أجل تطوير مرونة العمل الإنساني. وقد قدّم الدكتور الكحلوت تأطيرًا نظريًّا معمقًا للمشهد الإنساني العالمي، بالإضافة إلى المنطقة العربية ومنطقة مجلس التعاون الخليجي. وأشار إلى أنّ التطورات والتحوّلات السياسية التي سارت بوتيرة متسارعة حول العالم كان لها آثار واضحة في المجال الإنساني وغيرت من ملامحه.  

وأوضح الدكتور غسان الكحلوت أن الفظائع في رواندا والبوسنة والهرسك، التي حصلت في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، حوّلت العمل الإنساني التطوعي إلى مجال مؤسسي وجعلته احترافيًّا أكثر وعقّدته. وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر والحرب على الإرهاب، أصبح نطاق عمل العديد من المنظمات الإنسانية والخيرية محدودًا؛ بسبب القيود المتزايدة التي فرضتها تلك الأحداث. وعلى نحو مماثل، أضفت أزمة دول مجلس التعاون الخليجي الطابع المؤسسي على المجال الإنساني في قطر، من قبيل البيروقراطية التي اتسم بها العمل الإنساني بسبب الأزمة وزيادة تكاليف الموارد للوكالات المحلية وصعوبة الوصول إلى الموارد المالية، وقد عطلت هذه المعوقات الأنشطة الإنسانية للمنظمات القطرية في الخارج أيضًا.

في مداخلته، ركّز السيد علي عبد الله الأنصاري، مستشار مكتب المدير العام لهيئة تنظيم الأعمال الخيرية، على التغييرات التي طرأت على تمويل المنظمات الإنسانية القطرية خلال الأزمة الخليجية بين عامي 2017-2021. وعلى الرغم من ظهور العديد من التحديات للوكالات المحلية، فتأثيرها كان محدودًا بسبب ثقة المانحين بعمل المنظمات القطرية.

وتابعت الندوة أعمالها بكلمة للسيد علي بن حسن الحمادي، الأمين العام للهلال الأحمر القطري، الذي قدم لمحة تاريخية عن جمعية الهلال الأحمر القطري، ومن ثم استعرض تحديات السلامة التي واجهت المنظمات والوكالات العاملة في المجال الإنساني والخيري بسبب جائحة كوفيد-19، وهو ما أضعف من قدراتها على تقديم المساعدة والإغاثة للمجتمعات الهشة والضعيفة.  

وسلّط المدير التنفيذي للتعاون الدولي بمنظمة قطر الخيرية، السيد علي محمد الغامدي، الضوء على الارتفاع المتزايد في الاحتياجات الإنسانية حول العالم نتيجة لانتشار بؤر الصراعات العالمية، وخطر تغير المناخ، وجائحة كوفيد -19. وفي هذا السياق أشاد الغامدي بقدرة دولة قطر على التكيف مع البيئة السياسية المتغيرة والحفاظ على عملها الإنساني والتنظيمي.

تواصلت أعمال الندوة بمداخلة للدكتور إياد نصر، الخبير في العمل الإنساني والمدير الإقليمي السابق لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الذي ناقش آثار أزمة دول مجلس التعاون الخليجي التي أدت إلى سلوك نهج إقليمي مجزأ للمساعدات الإنسانية. ينصح نصر المنطقة بإعادة بناء علاقاتها بعضها مع بعض من أجل تعزيز استراتيجية إنسانية جماعية ومفيدة. كما أشاد نصر بصلابة دولة قطر خلال أزمة الخليج وأشاد بجهودها في إنعاش القطاع الخيري والإنساني.

أعقب الحوار جلسة أسئلة وأجوبة مع الحضور الكريم، حيث طرح الجمهور أسئلة حول مجموعة متنوعة من القضايا، التي دارت في مجملها حول: تعريف الإرهاب وآثاره في العمل الإنساني، وتسييس العمل الخيري، وآثار جائحة كوفيد-19 في جمع الأموال والمعاملات المالية مع الأمم المتحدة، والرابطة الثلاثية للعمل الإنساني والعمل التنموي وبناء السلام. كما ركزت الأسئلة على تجارب المؤسسات الخيرية والإنسانية في قطر، وأجاب عنها أعضاء الندوة برؤى قيّمة.

بشكلٍ عام، لفتت الندوة الانتباه بأن يجب الفصل بين ماهو سياسي وماهو إنساني، كما يجب أن يحافظ العمل الإنساني بالضرورة على ملامح واضحة تحدد أجندته الخاصة والتي تركز على المساعدات الإنسانية والأعمال الخيرية، من خلال الاستمرار في خدمة المجتمعات الضعيفة في الدول رغم المشهد الإقليمي المتغيّر.

عُقِدت المحاضرة وجاهيًّا في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بالمبنى الثقافي، وبُثَّت مباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي.