الحقيقة الصاعقة التي كشفت عنها جائحة غزوة برابرة الأعراب الأبريلية في السودان كانت هشاشة الدولة، ومعها هشاشة المدنية، في واحدة من أكثر عواصم العالم مدنية وتحضراً. فبين عشية وضحاها، لم يعد التظاهر ممكناً في الخرطوم. بل ولا المشي في شوارعها. كلا، بل لم يعد البقاء في البيت متاحاً، كما أن قول الحقّ قد يودي بك إلى التهلكة، فقد اختُطف حاكم ولاية وقُتل شرّ قتلة ومعه حرّاس له وأفراد عائلته، ومثل بجثثهم، لمجرّد أنه انتقد البرابرة في مقابلة تلفزيونية. وعندما تضامن قادة أحزابٍ كانت تحكم البلاد بإدانة خجولة لهذه الجريمة البشعة، لم يسمّوا الجاني، جبناً (إذا حسنا الظن).
كان السودان ولا يزال واحة تحضّر مدني (civility) فريدة في عالمنا. يمكن لأي عابر سبيلٍ يمرّ بقريةٍ لا يعرف أهلها ولا يعرفونه، فيجد المأوى والضيافة والمأكل. لا يساءل عن هوية، ولا يُطالب بأوراق ثبوتية. يكفي أنه ضيف. وكنت قضيتُ سنواتي الأولى في قريةٍ نائيةٍ في شمال السودان، كان الطعام لا بد أن يُجهّز فيها كاملاً في البيت: يُعجن الخبز ويخبز، ويذبح للحم، ولو كان دجاجة. وكنتُ، في أحيان كثيرة، أستيقظ في هجعة الليل على جلبةٍ ونار ت وقد، فلا أستغرب. فهذا يعني أن ضيوفاً قد وصلوا ليلاً. تُرجمت هذه المدنيّة إلى علاقات احترام متبادَل بين الخصوم السياسيين، فلا يشكّ أيٌّ كان في أن يلقى البشاشة والترحاب، لو زار منزل أشرس خصومه السياسيين....
يمكنكم قراءة المقال كاملاً على موقع العربي