آثار الغارة الإسرائيلية على مدينة غزة في 26 تشرين الأول/أكتوبر. تصوير: عمر القطاع/ وكالة فرانس برس – غيتي إيماجز
تم نشر هذا المقال في الأصل باللغة الإنجليزية، وهو جزء من مبادرة HPN، التي تم إنشاؤها لمشاركة آراء العاملين في المجال الإنساني والباحثين حول الوضع في غزة.
ثمة تحول ملحوظ في المناقشات السياسية إبّان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2023، إذ تزايد تركيز القادة الغربيين على السؤال عن مستقبل غزة بعد "الغزو". وفي حين قد يجادل البعض بأن مناقشة خطط مرحلة ما بعد الحرب قبل تنفيذ وقف إطلاق النار أمرٌ سابقٌ لأوانه أو غير أخلاقي، تبرز ضرورة الاعتراف بأهمية التخطيط الاستباقي لتجنب تكرار الأخطاء السابقة. بل إن الانخراط في هذه المحادثات الآن أمرٌ مهم وضروري، خصوصًا مع تحول موضوع غزة ما بعد الحرب إلى محور أساسي في الخطاب السياسي، ومع ترجيح كون الأمن والحكم في غزة في المستقبل عنصرين أساسيين في المفاوضات حول أي وقف إطلاق نار طويل الأمد.
بالنظر إلى السياق التاريخي للمنطقة، فإن مراحل ما بعد الحرب في غزة في أعقاب صراعات الأعوام 2008-2009 و2012 و2014 و2021 قدّمت دروسًا مهمة. لكن الأحداث الجارية في عام 2023 تمثل تحديات فريدة من نوعها، ومن بينها محاولة إسرائيل والولايات المتحدة تحويل مسؤولية أمن غزة وإعادة إعمارها إلى الدول العربية، وإعادة تشكيل الديناميات الإقليمية، وإثارة تساؤلات حول الاستقرار على المدى الطويل في القطاع.
وتعد فكرة "التخلص من حماس" من بين الجوانب الحاسمة في هذا الخطاب، فقد تمتلك إسرائيل بالفعل القوة العسكرية التي تمكّنها من تدمير البنية التحتية المادية في غزة، لكن المقاومة في غزة ليست مجرد كيان مادي، بل هي أيديولوجية وحركة متأصلة لا يمكن القضاء عليها بالقوة العسكرية وحدها. وهذه الحقيقة لا تجعل فكرة "التخلص من حماس" غير قابلة للتنفيذ وحسب، بل إنها سوف تؤدي إلى نتائج عكسية أيضًا؛ إذ إن استمرار التدمير والهجوم في غزة لن يؤدي إلا إلى ظهور حركة أخرى شبيهة بحماس إذا نجحت إسرائيل حقًّا في تحقيق هدفها المستحيل في القضاء على هذه الجماعة. إن العنف لا يولد إلا العنف، وأغلبية مقاتلي حماس أنفسهم أصبحوا أيتامًا من جراء جولات العدوان السابقة على القطاع.
علاوة على ذلك، يبدو أن فكرة نقل مسؤولية الحكم إلى السلطة الفلسطينية مجرد أمنية لن تتحقق؛ فكفاح هذه السلطة من أجل تحقيق الحكم الفعال وتحقيق الشرعية في الضفة الغربية يؤكد الفجوة بين التطلعات النظرية والواقع المعقد على الأرض.
لا شك أن إعادة إعمار غزة مسؤولية جماعية، ولكن هناك حجة قوية في ضرورة تقديم الفاتورة- ولو رمزيًّا- إلى إسرائيل؛ إذ إن هذا من شأنه أن يجعلها تقرّ بعواقب أعمالها العسكرية على البنية التحتية والحياة المدنية في غزة.
ليس هذا وحسب، بل إن خطط إسرائيل التي تنضوي ضمنيًّا على تقليص مساحة قطاع غزة غير منطقية بالنسبة إلى واحدة من أكثر مناطق العالم اكتظاظًا بالسكان. بل على العكس؛ يجب أن يتضمن اتفاق وقف إطلاق النار طويل الأمد توسيع المساحة الفلسطينية القابلة للعيش عليها. وهذا ليس مجرد نهج عادل بل إنه شرط ضروري لاستعادة الأمن وتحقيق ما يشبه الحياة الطبيعية، ويقدم حلًّا قابلًا للتنفيذ أكثر من الحصار الحالي.
وبينما يجري تشكيل مستقبل غزة، من المهم أن تعكس هذه المحادثات الواقع الحقيقي على الأرض والدروس المستفادة من الماضي. ولن يتسنى التوصل إلى حل دائم لغزة إلا من خلال نهج واقعي وإنساني، وتفكير يتطلع إلى المستقبل، أي بإيجاد حلٍّ يتجاوز وقف إطلاق النار ويعالج الأسباب الجذرية للصراع.