نظم مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني في يوم الأربعاء 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، في مقره، ندوة عامة عن "التخطيط الذكي لإعادة الإعمار: تجارب وخبرات عملية." أقيمت الندوة  على هامش ورشة عمل مغلقة جمعت مجموعة من الخبراء والمختصين في الشأن الفلسطيني، التي عقدت على مدار يومين من 21-22 تشرين الأول/ أكتوبر 2024 تحت عنوان "الأولويات المرحلية والرؤى المستقبلية لما بعد الحرب على غزة ".

شارك في الندوة العامة كل من الدكتور عصام شحرور، أستاذ الهندسة المدنية بجامعة ليل الفرنسية (Université de Lille)، وخبير في المدن الذكية وإعادة الإعمار. والدكتور يوسف جبارين، أستاذ التخطيط الحضري في جامعة كولومبيا (Columbia University) في الولايات المتحدة، وخبير في التنمية المستدامة والعدالة المكانية في المجتمعات الفلسطينية. وفي إدارة الجلسة  الدكتور محمد السوسي، زميل أول في المركز.

انطلقت الندوة من محورين رئيسيين هما: إعادة الإعمار والتخطيط الذكي. مسلطة الضوء على  أهمية التخطيط المتكامل لإعادة بناء المجتمعات المتضررة بفعل الكوارث والصراعات، مع التركيز على التجربة الفلسطينية،في ظل الحرب المستمرة على غزة.

في مداخلته، ناقش د. جبارين تأثير عمليات الهدم الممنهجة التي تعرضت لها المدن الفلسطينية منذ بدء الاستيطان الإسرائيلي، موضحًا أن هذه العمليات استهدفت البنية التحتية وأعادت  تشكيل التركيبة الجغرافية والديموغرافية للمجتمعات الفلسطينية  بما يخدم الأهداف الاستراتيجية للاحتلال. وأكد أن  هذه السياسات فتعزز نظامالفصل العنصري  الإسرائيلي (الأبارتهايد) من خلال خلق تباينات ديموغرافية تمنع الفلسطينيين من حرية التنقل في نحو 80% من المناطق داخل الأراضي المحتلة. كما تطرق إلى حجم الدمار الواسع الذي لحق بقطاع غزة نتيجة العدوان الأخير، مقارنًا إياه بالدمار الذي شهدته مدينة ناغازاكي خلال الحرب العالمية الثانية. استعرض جهود إعادة الإعمار  االعالمية ، مشيرًا إلى خطة مارشال كنموذج لإعادة بناء المدن الأوروبية بعد الحرب، وتطبيق الدروس المستفادة من هذه التجارب في دول هشة مثل العراق.

من جانبه، شدد د. شحرور على أهمية التخطيط المتكامل في إعادة الإعمار بقطاع غزة، مؤكدًا أن الجهود يجب أن تتجاوز إعادة بناء البنية التحتية لتشمل أيضًا إعادة تأهيل النسيج الاجتماعي والاقتصادي. وأشار إلى دور التكنولوجيا المتقدمة، مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد والمواد الذكية، في تسريع عمليات البناء وخفض التكاليف، مما يعزز كفاءة وفعالية جهود إعادة الإعمار. ولفت إلى  أهمية "التخطيط الذكي" وتفعيل المدن الذكية كنهج حيوي يضمن استدامة الجهود من خلال إدارة الموارد بكفاءة وتعزيز القدرة على مواجهة التحديات المستقبلية.

كما أشار إلى إمكانيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة في تقديم حلول مخصصة تلبي احتياجات المجتمعات المتضررة، بما يساهم في تحسين جودة الحياة بشكل مستدام. كما أكد على ضرورة إشراك المجتمع المحلي في مراحل التخطيط والتنفيذ لضمان توافق الحلول مع الخصوصيات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، مشيرًا إلى أن هذا النهج يعزز فرص نجاح إعادة الإعمار ويضمن ديمومتها على المدى الطويل.

شهدت مناقشات الندوة تفاعلًا بين المشاركين ونخبة من الأكاديميين وطلاب معهد الدوحة للدراسات العليا. حيث تمت الإشارة إلى خصوصية إعادة الإعمار في غزة أمام التجارب الدولية الأخرى. وضرورة تبني مقاربة مختلفة تراعي التعقيدات السياسية والإنسانية الفريدة للوضع الفلسطيني، في ظل التدمير الممنهج الاسرائيلي. وأشارت النقاشات إلى أهمية التخطيط العلمي وتعزيز دور القوى البشرية المحلية، في عمليات إعادة الإعمار، مشيدين  بقدرتهم  عالية على الصمود والاستمرار رغم التحديات. وشدد د. شحرور على ضرورة  استثمار جميع الطاقات الفلسطينية المتاحة لدعم عملية إعادة إعمار غزة، مشددًا على أن النهج المتبع يجب أن يكون إبداعيًا ومبنيًا على المعرفة والعلوم الحديثة. وذكرالتجربة الصينية كأحد النماذج الدولية الناجحة. كما تمت الإشارة إلى ضرورة ربط جهود إعادة الإعمار بحق تقرير المصير، وحل القضايا الجوهرية مثل حق العودة، والعدالة الاجتماعية.