تحت رعاية سعادة الدكتورة مريم بنت علي بن ناصر المسند، وزيرة الدولة للتعاون الدولي بوزارة الخارجية القطرية، ورئيسة المجلس الاستشاري لمركز دراسات النزاع والعمل الإنساني (CHS)، نظم المركز، يوم الثلاثاء 16 أيلول/ سبتمبر 2025، في مقره بالدوحة، جلسة نقاشية تحت عنوان: توثيق جرائم الإبادة في غزة: "من شهادات الناجين إلى المحاكم الدولية".
شارك في أعمال الجلسة نخبة من الخبراء القانونيين والحقوقيين المختصين في القانون والقانون الدولي الإنساني، وهم: الدكتور الطيب علي، مدير المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين (ICJP)، والأستاذة دانية أبو الحاج، مسؤولة قانونية أولى بالمركز الدولي للعدالة للفلسطينيين (ICJP)، وأدار أعمال الجلسة الدكتور غسان الكحلوت، مدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني.
وافتتحت السيدة عائشة المهندي، ممثلة عن التعاون الدولي بوزارة الخارجية القطرية، أعمال الجلسة بكلمة أكدت فيها أن الجرائم المرتكبة في غزة من إبادة وتهجير قسري واستخدام للتجويع كسلاح، تتطلب تحركًا عاجلًا من المنظمات الدولية، وتفعيل الآليات القانونية لضمان محاسبة الجناة، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة.
ويأتي انعقاد هذه الجلسة في سياق متصل مع الأحداث الأخيرة التي شهدتها الدوحة وما تبعها من تحركات قطرية حثيثة على المستويين الإقليمي والدولي؛ حيث شاركت الدولة في القمة العربية الإسلامية التي عُقدت أمس وأكدت وحدة الموقف والمصير المشترك، كما ترأست اليوم سعادة الدكتورة مريم بنت علي بن ناصر المسند، وزير الدولة للتعاون الدولي، وفد دولة قطر في الجلسة الطارئة لمجلس حقوق الإنسان بجنيف لمناقشة الاعتداء الذي استهدف قطر.
ويجسد هذا التوازي بين الحراك السياسي في المحافل الدولية والجهود البحثية والفكرية في الدوحة، نهج قطر في تكامل العمل بين مؤسساتها الحكومية ومراكزها البحثية، بما يعزز من قدرتها على الدفاع عن مبادئ القانون الدولي الإنساني، ويوثق الجرائم والانتهاكات لمنع إفلات مرتكبيها من العقاب، وترسيخ العدالة وصون حقوق الإنسان.
عُقدت الجلسة النقاشية ضمن سياق مبادرة ينفذها مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بالتعاون مع المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين (ICJP) لتوثيق جرائم الحرب في غزة، بهدف جمع وحفظ الأدلة حول جرائم الحرب في غزة وفق المعايير القانونية الدولية. واستعرضت الجلسة حصيلة عمل توثيقي موسّع شمل 80 شهادة موثقة لناجين أُجْلوا إلى دولة قطر، وأظهرت الشهادات غياب أي مناطق آمنة داخل القطاع نتيجة الاستهداف الممنهج، الذي شمل قصف مناطق الإجلاء والمسارات التي أُعلن أنها مناطق آمنة، واستهداف وسائل النقل، وهو ما أجبر السكان على النزوح سيرًا على الأقدام. كما وثقت تدميرًا واسعًا للبنية التحتية، بالأخص المرافق الصحية والمشافي، ونقصًا حادًّا في الأدوية والغذاء، واستهدافًا واعتقالًا تعسفيًّا للكوادر الطبية، فضلًا عن صعوبات في معالجة الجرحى بسبب الاكتظاظ والبيئة غير المعقمة.
وأكدت الشهادات اتباع سلطات الاحتلال سياسة تجويع جماعي وتسليح المساعدات الإنسانية، إلى جانب توثيق حالات استهداف متعمد للمدنيين عند مراكز توزيع المعونات الإغاثية، ما أسفر عن إصابات جسيمة يندرج كثير منها تحت تعريف "الإبادة الجماعية" في القانون الدولي.
ناقشت الجلسة كذلك الجهود القانونية الدولية للتحقيق في جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة المرتكبة في غزة، من بينها الدعوى المنظورة أمام محكمة العدل الدولية، استنادًا إلى اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، والتحقيقات الجنائية الجارية لدى المحكمة الجنائية الدولية. واستعرض المتحدثون مسارات موازية للمساءلة، شملت دعاوى خاصة أمام المحاكمة الوطنية وفق تشريعات دولية، مثل القانون الجنائي البريطاني لعام 2003، وقانون جنيف لعام 1957، فضلًا عن شكاوى جنائية دولية تتصل بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
شهدت الجلسة حضور مجموعة من القانونيين والحقوقيين والأكاديميين والمختصين، وتخللتها فقرة أسئلة وأجوبة اتسمت بتفاعل كبير بين المشاركين والحضور، ركزت على أهمية إعداد الأدلة القانونية بطريقة منهجية في زمن التوثيق المباشر لحرب الإبادة، وطبيعة اللغة المستخدمة خلال جمع الشهادات، والمسارات القانونية المتاحة لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب، إضافة إلى إمكانية توسيع نطاق التوثيق ليشمل قضايا التعليم ومجالات أخرى.