رجل يجلس على سيارة متضررة، بعد عاصفة قوية وأمطار غزيرة ضربت ليبيا، في درنة، ليبيا في 12 سبتمبر 2023 (رويترز)

تم نشر هذا المقال في الأصل باللغة الإنجليزية على موقع ميدل إيست آي 

ضرب إعصار دانيال شرق ليبيا في نهاية الأسبوع الماضي، وتسبب بأسوأ فيضانات شهدتها البلاد في ذاكرتها الحية. إذ تم الإبلاغ عن فقدان ما لا يقل عن عشرة آلاف شخص، وثمة مخاوف من أن آلافًا منهم قد لقوا حتفهم، وأن كثيرين آخرين أمسوا مشردين.

تسببت العاصفة في انهيار اثنين من السدود، وهو ما أدى إلى فيضان هائل يُقدَّر بملايين الأمتار المكعبة من المياه.  وقد شُيّد هذان السدَّان، اللذان يشكلان أهمية كبيرة، في سبعينيات القرن الماضي، ولم تُنفَّذ أي أعمال صيانة لهما منذ عام 2002.

تضررت مدينة درنة تضررًا عظيمًا، إذ اندثرت أحياء كاملة، ولحقت أضرار جسيمة بالمرافق الصحية وإمدادات المياه.

وقد عبَّر أحد السكان، خلال مقابلة مع قناة محلية، عن حالة الخوف والذعر التي أصابتهم؛ فيذكر أنه سمع صوتًا عاليًا بحدود الساعة الثانية صباحًا، ويتابع: "علمنا أن السد انفجر، ثم سرعان ما وصلت كميات كبيرة من المياه - بارتفاع حوالي ستة أمتار- في غضون ساعة واحدة، وهو ما أدى إلى تدمير الحي الرئيس في المدينة".

كانت هذه الحادثة المؤلمة بمنزلة صيحة تنبيه على مدى أهمية الاستثمار في عمليات التأهُّب للكوارث. مع أن ليبيا تتمتع بميزة أن امتدادها على ساحل على البحر الأبيض المتوسط هو أطول امتداد بين الدول الأفريقية، فإن هذا يزيد من خطر حدوث فيضانات مدمرة. تمتد البلاد أيضًا على تضاريس متنوعة، وتشمل مساحات واسعة من الأراضي الصحراوية الجافة، لذا فإنها عرضة للمخاطر طويلة الأمد التي قد يسببها التغير المناخي. ومع ذلك فقد أهمل العمل على التأهب لمواجهة الكوارث في ليبيا مدّة طويلة، وقد ازداد الأمر سوءًا نتيجة مرور البلاد بعقد من عدم الاستقرار والشلل السياسي في أعقاب الربيع العربي.

واجهت جهود الإغاثة في درنة مصاعب كبيرة أعاقت وصولها إلى المدينة، حيث إنها لا تزال مغمورة بالمياه، وطرقها متضررة، وأنظمة الاتصالات فيها مدمرة في الأعم الغالب.

وصلت المساعدات الإقليمية والدولية بسرعة، حيث أرسلت تركيا فريقًا يضم 150 فردًا متخصصًا في البحث والإنقاذ. وقدمت الدوحة المساعدة رغم انسحاب جمعية الهلال الأحمر القطري من ليبيا عام 2019 بسبب الظروف الأمنية.

تعزيز التضامن

سارعت السلطات المتمركزة في غرب ليبيا، إلى جانب مبادرات الإغاثة المحلية من العديد من المدن الليبية، إلى مساعدة المناطق المتضررة من الفيضانات في الشرق. وفي حين أن ليبيا انقسمت إلى إدارتين متنافستين في الشرق والغرب منذ عام 2014، يمكن القول إنه يجب الاستفادة لاحقًا من هذه الوحدة في مواجهة الكارثة من أجل توحيد الجهود متعددة المسارات لتعزيز عمليات المصالحة.

وساهمت سلطات شرق ليبيا بمبلغ 200 مليون دينار ليبي (أي ما يعادل 41 مليون دولار) من أجل دعم المناطق المتضررة، وكذلك قدمت السلطات الموجودة في غرب البلاد 30 مليون دينار. وقرر مصرف ليبيا المركزي صرف 5.4 مليارات دينار ليبي للبنوك التجارية في المناطق المتضررة من الفيضانات لتسهيل جهود التعافي.

وعلى الرغم من الصراع السياسي الدائر في ليبيا فقد عززت هذه الأزمة الإنسانية التضامن بين المدن؛ فقد أرسلت المدن الغربية مثل طرابلس ومصراتة قوافل المساعدات الإنسانية باتجاه المدن الشرقية المتضررة. وقال عاملون في الهلال الأحمر الليبي لموقع ميدل إيست آي، إن حجم التبرعات التي تلقتها المجموعة من المناطق الغربية تجاوز خمسة ملايين دينار ليبي.

ومن ناحية أخرى، فإن هذه المأساة التي حلت بمدينة درنة لا يمكن بحال أن نتصور أنها نتيجة كارثة طبيعية فقط، متجاهلين المسبب البشري لها. بل يمكن القول إن الانهيار الكامل للسدود عائد إلى إهمال الحكومات المتعاقبة لها منذ بنائها في السبعينيات، رغم أنها ركيزة حيوية للبنية التحتية الوطنية في ليبيا.

هذا ولم يكن انهيار السد في درنة حدثًا غير متوقع؛ إذ يتداول الليبيون الآن دراسة أكاديمية نُشرت العام الماضي، وأشارت إلى أن مدينة درنة معرّضة لخطر الفيضانات، ومع ذلك لم توضع أي خطط أو إجراءات، مثل الإخلاء المسبق للسكان المحليين لوقايتهم من هذا الخطر المحتمل.

وقد انتقد رئيس هيئة الطوارئ والإسعاف الليبية عدم الاهتمام بالظروف الجوية ومستويات سطح البحر، وخطط الإخلاء في المناطق المتضررة. وصرح أحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، قائلًا: "لسنا مستعدين لمثل هذا الحجم من الدمار".

بل إن ما حدث كان على النقيض مما هو متوقع، فقبل وقوع العاصفة مباشرة فرضت السلطات في شرق ليبيا حظر التجول على جميع السكان، وبذلك أعاقت جهود الإخلاء وتسببت بمضاعفة حجم الخسائر البشرية.

أدى هذا الوضع إلى زيادة الضغط على رئيس الوزراء الليبي المحاصر عبد الحميد الدبيبة، الذي يعاني بالفعل من تبعات فضيحة سياسية حصلت مؤخرًا. وهذا يؤكد حاجة السلطات الليبية إلى أن تظهر قيادة قوية خلال أزمة الفيضانات، وأن تعمل على استعادة ثقة الجمهور، وتسهيل إيصال المساعدات العاجلة إلى من هم في أمس الحاجة إليها.