عقد مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني أمس ندوةً تحت عنوان "استهداف المدنيين العشوائي كأحد أساليب الحرب في سورية وأوكرانيا"، استضاف فيها ممثلين متمرسين في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة؛ السيد فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، والسيدة أليكسندرا ماتفيتشك مديرة مركز الحريات المدنية (أوكرانيا)، وأدارت خلالها الدكتورة عائشة البصري النقاش.

افتتحت البصري الندوة بتقديم صورة عامة عن الأوضاع التي يعيشها المدنيون في النزاعات المسلحة بأشكالها المختلفة، وحالات الاستهداف العشوائية التي يتعرضون لها بشكل مستمر خلال العمليات العسكرية للأطراف المتنازعة والمعارك الطاحنة، وانعكاسات ذلك على أمن المدنيين وسلامتهم من جهة، وحدوث موجات كبيرة من الهجرة القسرية خارج حدود الدولة أو النزوح القسري داخل مناطقها.

وقدم السيد فضل عبد الغني في مداخلته الأولى تأطيرًا نظريًا عن الاستهداف العشوائي للمدنيين في حالات النزاعات المسلحة التي تصنف على أنها جريمة وفقًا للقانون الدولي الإنساني، والسبل التي يمكن أن يلجأ إليها الأطراف المتصارعة لتجنب الانزلاق فيها. وركز عبد الغني في مداخلته على النموذج السوري، إذ أشار إلى أن معظم الانتهاكات المرتكبة بحق المدنيين كانت تعود لكل من النظاميين الروسي والسوري، نظرًا لكونهما الجهة الوحيدة الممتلكة لقوات جوية بعكس المعارضة المسلحة، وأن عمليات القصف بالبراميل المتفجرة كانت إحدى جرائم الحرب المرتبكة لاتصافه بالعشوائية، وعليه قام بتقديم مجموع دلائل من رسوم بيانية إلى صور أقمار صناعية تؤكد ذلك.

واستهلت ماتفيتشك المداخلة الثانية بالإشارة إلى أوجه الشبه بين الحالة الأوكرانية والحالة السورية ناحية الانتهاكات الروسية المرتكبة، وأن النظام الروسي بآلته العسكرية قام بتنفيذ مجموع جرائم وحشية عشوائية ومقصودة ضد المدنيين في أوكرانيا، من استخدامهم كدروع بشرية لها إلى حالات التغييب والاعتقال وغيرها، بهدف بثّ الخوف والرعب في نفوسهم وكسر عزيمتهم، وبهدف سعيها لإتمام عملية احتلالها لأوكرانيا. ونوهت ماتفيتشك في معرض حديثها إلى أن الروس منعوا وصول المعونات الإنسانية التي قدمها الصليب الأحمر والمنظمات الإنسانية الأخرى. وأشارت أيضًا إلى أن روسيا تمكنت وبشكل مستمر الإفلات من العقاب، سواء في الشيشان وجورجيا وسورية، وأكدت على ضرورة البدء بمناصرة المحاكمات الهجينة الدولية نظرًا لفشل محكمة الجنايات الدولية الإقرار بذلك.

وتبعت مداخلة المتحدثين تعليق كل من السفير الأوكراني في الدوحة الأوكراني في الدوحة أندري كوزمينكو، والسفير السوري لحكومة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية؛ إذ أشار السفير الأوكراني، القادم من خلفية عسكرية، أن روسيا تنتهج في تكتيكاتها العسكرية أساليب قديمة لا تنتمي للقرن الحادي والعشرين، وأن روسيا ستهزم لا محالة عسكريًا وسياسيًا. من جانبه أكد السفير السوري للمعارضة الدكتور بلال تركية على أن الاحتجاجات السورية في البداية كانت سلمية، لكنه لم يحل دون استخدام النظام السوري العنف والقمع ضدهم، وأن روسيا تحولت في سياق مساندتها للنظام السوري إلى طوق نجاة عبر تقديمها الدعم السياسي له ومن ثم العسكري. واتفق السفيران على عجز مؤسسات المجتمع الدولي في إدانة كل من النظام السوري والنظام الروسي، بارتكابهم لجرائم ضد الإنساني من قتل وتهجير وترهيب، نظرًا للضعف التي تعاني منه تلك المؤسسات.

وفي هذا السياق، اختتمت الدكتورة البصري إلى أن النظام الدولي قاصر من ناحية إلحاق العقاب بمرتكبي الجرائم الإنسانية، فعلى الرغم من وجود محكمة العدل الدولية والمحكمة الخاصة الجنائية الدولية التين يقع على عاتقهما تلك المهمة، إلا أنه لايزال يوجد دول تمكنت من التفلت من العقاب كروسيا، وحالها حال الدول التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية ولم تعاقب، في حين صبّ جل الاهتمام على محاسبة المهزوم. وعليه يوجد اتفاق على أن النظام الدولي الموجود هو نظام معيوب ولا يعمل عندما يتطلب الأمر مسائلة ومحاسبة المنتهكين في جرائمهم.

وسلطت الندوة الضوء على فشل الآليات الدولية في وقف عمليات العنف والاستهداف العشوائي للمدنيين في كلا السياقين، السوري والأوكراني، بما فيها محاسبة المعتدين ومحاكمتهم. حضر فيها مجموع من المسؤولين والأكاديميين والطلاب، وتأتي المحاضرة ضمن سياق التزام المركز بالمعايير الإنسانية وتعزيز الحوار والمشاركة الجماعية خلال مراحل الصراع وعمليات الانتقال.