مقدمة

شهد يوم الـ5 من كانون الأول/ ديسمبر توقيع الاتفاق الإطاري بين الجهات الفاعلة الرئيسة في المشهد السياسي السوداني، وذلك بعد 14 شهرًا من السياسات المضطربة التي أعقبت الإطاحة بالإدارة المدنية السابقة في تشرين الأول/ أكتوبر 2021. يعد الاتفاق خطوة مهمة نحو إعادة السودان إلى انتقال سياسي من الحكم العسكري إلى الحكم المدني. يقدم موجز السياسات هذا سياقًا موجزًا للأزمة السياسية في السودان خلال العام الماضي، وتحليلًا للاتفاق الإطاري لشهر كانون الأول/ ديسمبر 2022.

لن يكون الحفاظ على زخم الانتقال في السودان مهمة سهلة، وسيستلزم تفكيرًا وتحليلًا دقيقين لأفضل الطرق للمضي قدمًا. وبهدف تحقيق هذه الغاية يقترح موجز السياسات توصيات أساسية عدة تهدف إلى إثراء الاستراتيجيات، واقتراح خطوات عملية للأطراف الوطنية والإقليمية والدولية التي تسعى إلى دعم المرحلة الانتقالية في السودان. ويعتمد هذا الموجز على تأملات المؤلفين في مختلف المشاركات السياسية والحوارية مع الجهات الفاعلة السودانية، علاوة على بعثة بحثية لمدة 3 أشهر إلى السودان بين شهري تشرين الأول/ أكتوبر وكانون الأول/ ديسمبر 2022. خلال هذه المهمة المتواصلة، سنحت فرص لإجراء محادثات متعددة مع الجهات الفاعلة السياسية من خلفيات مختلفة، من ضمنهم مسؤولون حكوميون رفيعو المستوى، وسياسيون إقليميون، وممثلو الأمم المتحدة.

 

ثورة مجهضة

في كانون الأول/ ديسمبر 2018، اندلعت احتجاجات سلمية في شوارع السودان، كانت شرارة الثورة السودانية. انتفض الشعب السوداني ضد نظام عمر البشير، الذي هيمن على السلطة 30 عامًا، وطالب الشعب بتمثيل سياسي وبحقوق الإنسان[1]. وطوال أشهر، لم يحدث أي تغيير فعلي في المشهد السياسي إلى حين تدخل الجيش السوداني. وفي نيسان/ أبريل 2019، أسَّست القوات المسلحة السودانية مجلسًا عسكريًّا، ونفذت انقلابًا على البشير[2]. نجح المجلس العسكري في السيطرة على السودان والإطاحة بالبشير ونظامه. ثم ترأس أحمد عوض بن عوف المجلس يومًا واحدًا قبل تسليم القيادة إلى عبد الفتاح البرهان[3]. وأعلن المجلس العسكري الانتقالي أيضًا تأسيس وترؤس حكومة انتقالية كان يُفترض أن تستمر عامين، وهو ما تعارض مع توقعات الشعب السوداني في سودان ما بعد البشير.

ليس مفاجئًا أن مدنيين كثيرين عارضوا استيلاء الجيش على السلطة، وخطط المجلس العسكري الانتقالي، ولذلك تواصلت احتجاجات المدنيين، وتولت "قوى إعلان الحرية والتغيير"، وهي ائتلاف من 22 حزبًا سياسيًّا وجماعة اجتماعية سودانية أُسس في كانون الثاني/ يناير 2019، قيادة المعارضة المدنية، وطالبت باتفاق لتقاسم السلطة مع المجلس العسكري الانتقالي[4]. كان رد الفعل الأولي للجيش على تواصل الاحتجاجات عنيفًا، أسفر عن مقتل 101 شخص وإصابة 326 آخرين[5]. ومع ذلك، انتهى الأمر بالقيادة العسكرية إلى الموافقة على صفقة لتقاسم السلطة مع قوى إعلان الحرية والتغيير.

وبعد مفاوضات عدة، وتدخّل الاتحاد الأفريقي، وقّع نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وممثل عن قوى إعلان الحرية والتغيير، اتفاق الإعلان الدستوري يوم 17 آب/ أغسطس 2019[6]. دشّن الاتفاق مرحلة انتقالية مدتها ثلاث سنوات وأنشأ مجلس سيادة جديدًا، يرأسه قائد عسكري 21 شهرًا، يليه زعيم مدني في الأشهر الـ18 المتبقية[7]. ويتألف من 11 عضوًا؛ خمسة تختارهم قوى إعلان الحرية والتغيير، وخمسة يختارهم المجلس العسكري الانتقالي، وواحد بالتوافق[8]. وعيّن مجلس السيادة عبد الله حمدوك، وهو خبير اقتصاد وإدارة عامة، رئيسًا جديدًا للوزراء[9]. وخلال المرحلة الانتقالية كُلّف النظام الانتقالي بأداء 16 مهمة، أهمها: "العمل على تحقيق سلام عادل وشامل"، و"محاسبة أعضاء النظام السابق"[10]. وبهدف إنهاء المرحلة الانتقالية حدد الاتفاق موعدًا لإجراء انتخابات أواخر العام 2022.

 

تشرين الأول/ أكتوبر 2021: خطوتان إلى الأمام وخطوة إلى الوراء

في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، أقال الجيش السوداني، بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الحكومة الانتقالية التي يرأسها رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك. وقد برزت تفسيرات متباينة لتلك الأحداث لدى مختلف الجهات الفاعلة السودانية والإقليمية والدولية؛ ففي حين وصف مراقبون دوليون عديدون أفعال الجيش بكونها انقلابًا، يصر الجيش السوداني على أنه اضطر إلى التدخل لأن الأطراف الأخرى كانت "تختطف الثورة"، التي دعمها الجيش، وللحيلولة دون اندلاع حرب أهلية[11].

جرى تغيير الحكومة قبل أيام قليلة من استحقاق نقل قيادة مجلس السيادة من القائد العسكري إلى زعيم مدني بحسب اتفاق تقاسم السلطة عام 2019 بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير[12]. وجرى هذا أيضًا بعد أكثر من عام بقليل من حدوث انقلاب فاشل في أيلول/ سبتمبر 2020، حيث حاول بعض العسكريين الموالين للبشير الاستيلاء على السلطة. وقد كشفت محاولة الانقلاب هذه الكثير عن موقف الجيش تجاه الانتقال الديمقراطي، وزادت التوترات بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير[13]. ويعكس درجة هشاشة السودان عدم الاستقرار الناجم عن محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2020، وانقلاب تشرين الأول/ أكتوبر عام 2021؛ إذ ارتفعت درجة هشاشة الدولة في السودان ارتفاعًا كبيرًا إلى 107.1 عام 2022، من 104.8 من أصل 120 عام 2020، واحتلت المرتبة السابعة في مؤشر الهشاشة العالمي[14].

ثمة أسباب عدة لتغيير السلطة في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 في السودان:

أولها، أنه في الأشهر التي سبقت انقلاب 2021 واجهت حكومة حمدوك مجموعة تحديات، وكانت تكافح من أجل تلبية الاحتياجات الأساسية لعدد كبير من المدنيين السودانيين، وإيجاد حل لتباطؤ التقدم في انتقال البلاد من الحكم العسكري إلى الحكم المدني. وضمن سياق اتسم بتعاظم الاستياء الشعبي من خفض دعم الوقود وارتفاع التضخم، عاد المتظاهرون إلى الشوارع، حيث دعا كثيرون الجيش إلى تولي زمام الأمور، وقد أعطت هذه الفترة من الاضطرابات المدنية البرهان ذريعة وفرصة لتعزيز سيطرة الجيش مرة أخرى[15].

ثانيها، يمكن أن يُرى هذا التغيير على أنه تدبير وقائيّ لتجنب توجيه اتهامات بارتكاب انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان؛ إذ اتهمت فصائل محلية عدة ومراقبون دوليون المجلس العسكري، بقيادة البرهان، بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، ومن ثم فأي انتقال إلى الديمقراطية سيستلزم إنشاء محكمة دستورية وتعيين هيئة قضائية يمكن أن تقدم مسؤولين عسكريين للمحاكمة على هذه الجرائم المزعومة[16]. وفضلًا عن ذلك، وقعت أحداث تشرين الأول/ أكتوبر 2021 بعد أكثر من شهر بقليل من قرار السودان تسليم الرئيس السابق البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية لمواجهة اتهامات بشأن جرائم يزعم أنها ارتكبت في دارفور في عامي 2003 و2004[17].

ثالثها، يمكن أن يفسر هذا التغيير بكونه وسيلة للحفاظ على المصالح الاقتصادية؛ فوفقًا لتقرير صادر عن مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة، يمتلك بعض ضباط الأمن رفيعي المستوى في السودان 408 كيانات اقتصادية، من بينها شركات زراعية وبنوك وشركات استيراد طبي[18]. كذلك يمتلك قائد قوات الدعم السريع، حميدتي، 28.35% من أسهم بنك الخليج، التابع لدولة الإمارات العربية المتحدة[19]. وستسعى أية إدارة مدنية جديدة في السودان إلى الحد من سيطرة الجيش على الاقتصاد الوطني، بخاصة احتكار الموارد الوطنية؛ إذ تشكّل هذه السيطرة عقبة اقتصاد سياسي رئيسة أمام انتقال مستدام[20].


لقراء الإحاطة كاملة، إضغط هنا.pdf

[1] Assal Munzoul, "Sudan December 2018 Riots: Is the Regime Crumbling?," CMI, (2019), accessed on, at: https://cutt.us/bMHEz

[2] "Sudan's Military Seizes Power From President Omar al-Bashir," Al-Jazeera, 11/4/2019, accessed on, at: https://cutt.us/rmNZa

[3] Khalid Abdelaziz, "Head of Sudan's Military Council Steps Down, a Day After Bashir Toppled", Reuters, Last Modified, 12/4/2019, accessed on, at: https://cutt.us/mrIqZ

[4] Noah Bassil & Jingwei Zhang, "The post-Bashir era in Sudan: tragedy or remedy?", Australian Journal of International Affairs, vol. 75, no. 3 (2021), p. 254, accessed on, at: https://cutt.us/HbP3o

[5] Alan Yuhas, "100 killed in Sudan and Dozens of Bodies are Pulled from Nile, Opposition Says", The New York Times, 4/ 2019, accessed on, at: https://cutt.us/WVGXk

[6] "Sudan Protest Leaders, Generals Sign Transition Deal," Al Jazeera, 17/8/2019, accessed on, at: https://cutt.us/m3m8l

[7] Ibid.

[8] "Draft Constitutional Charter for the Transitional Period," Translated by International IDEA, (2019), accessed on, at: https://cutt.us/XXytJ

[9] "Sudan's Hamdok Sworn in as New PM Vowing to Tackle Conflicts and Economy," France 24, 22/8/2019, accessed on, at: https://cutt.us/FK6Jr

[10] Draft Constitutional Charter, Ibid.

[11] "Sudan's al-Burhan Says Army Dissolved Gov't to Avoid Civil War," Al Jazeera English, YouTube video, 39:54 minutes, 26/10/2021, accessed on, at: https://cutt.us/CrbzY

[12] Samy Magdy, "Sudan's Military Takes Power in Coup, Arrests Prime Minister," AP NEWS, 25/10/2021, accessed on, at: https://cutt.us/T5wpK

[13] "Sudan: Protesters Demand Military Coup as Crisis Deepens," BBC, 17/10/2021, accessed on, at: https://cutt.us/k7IHX

[14] "State Fragility- Sudan," Fragile States Index, 2022, accessed on, at: https://cutt.us/L2pLn.

[15] Ibid.

[16] Alex de Waal, "Sudan Coup: Why the Army Is Gambling with the Future," BBC, 27/10/2021, accessed on 1/11/2022, at: https://cutt.us/NT8Xj  

[17] Maram Mahdi & Ottilia Maunganidze, "Why Has Sudan Decided to Hand over Al-Bashir to the ICC?," ISS Africa, 21/9/2021, accessed on, at: https://cutt.us/FPXdB

[18] Mat Nashed, "Sudan's Economy Dominated by Military Interests: Report," Al Jazeera, 29/6/2022, accessed on 1/11/2022, at: https://cutt.us/0f09J

[19] Ibid.

[20] Robert Springborg, "Economic Involvements of Militaries," International Journal of Middle East Studies, vol. 43, no. 3, (2011), pp. 397-399, accessed on, at: https://cutt.us/zo3hf