
تشهد الحوكمة العالمية، ومعها منظومة إدارة النزاعات المتعددة الأطراف، التي بلورت خلال العقود الثلاثة الماضية الإطار المرجعي للوساطة من أجل السلام، تحوّلًا عميقًا يمس أسسها المعرفية والعملية معًا؛ فصعود عالم متعدّد الأقطاب، وتجدد التنافس بين القوى الكبرى، وتآكل ما تبقّى من إجماع دولي، ليست مجرد تحولات في موازين القوى، بل عوامل تعيد تعريف الوساطة ذاتها: شروط إمكانها، ومصادر شرعيتها، وحدود فعلها في الواقع.
وبينما تشتد الضغوط على الوسطاء مع انحسار الدعم الدولي، والانكماش الحاد في تمويل الوقاية من النزاعات وبناء السلام، بعد أن تحوّلت أولويات عدد من المانحين نحو مجالات الدفاع وزيادة الإنفاق العسكري؛ تعود الجغرافيا الاقتصادية والتكنولوجيا إلى الواجهة بوصفهما محرّكين مركزيين للنزاع والسلام معًا، في حين يتنامى تأثير القطاع الخاص في إدارة النزاعات، بما يفتح مجالات جديدة للتأثير، ويخلق في الوقت نفسه مخاطر بنيوية إضافية. أما الفاعلون المحليون والوطنيون والإقليميون، الساعون إلى تثبيت مواقعهم في حقل الوساطة، فيواجهون واقعًا يتراجع فيه الدعم الدولي وتتآكل فيه القدرات في قطاع يعاني أصلًا هشاشة مؤسسية ونقصًا مزمنًا في الموارد.
في هذا السياق، وفي لحظة تفرض مراجعة تحليلية جادة لموقع الوساطة في النظام الدولي وإعادة التفكير في منطقها وأدواتها، يُعقد منتدى قطر للوساطة لعام 2025، بتنظيمٍ من مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني، وبرعاية منتدى الدوحة، ليكون مساحة تجمع طيفًا واسعًا من الوسطاء وصانعي السياسات والباحثين الممارسين وممثلي المؤسسات، بما يتيح حوارًا نقديًّا معمّقًا يستقصي التحولات المعيارية والبنيوية في حقل الوساطة، ويناقش المعضلات التي يواجهها الوسطاء في مناطق النزاع النشطة، والتوتر الدائم بين الالتزام بالمبادئ من جهة، ومتطلبات السلطة واعتبارات البراغماتية السياسية من جهة أخرى.
الأهداف
يهدف منتدى قطر للوساطة إلى تحقيق جملة من الغايات التي تستعرض التحولات العميقة في بنية النظام الدولي وفي ممارسات الوساطة ذاتها، وذلك على النحو الآتي:
فحص أثر التراجع عن تعددية الأطراف وصعود الطابع التبادلي في صناعة السلام على شرعية الوساطة المعاصرة، وحدودها، وأشكال ممارستها، وما إذا كانت هذه التحولات تُعيد تعريف الوسيط ودوره ووظيفته.
تحليل تنامي أدوار الفاعلين من دول الجنوب العالمي في حقل الوساطة، واستكشاف ما يترتب على هذا التنامي من إعادة تشكيل للمعايير، ومن تحولات في التوازنات الجيوسياسية داخل عمليات التسوية.
استجلاء التعقيدات الميدانية والأخلاقية للوساطة في مناطق النزاع النشط، وما تطرحه من تناقضات بين مقتضيات الانخراط العملي والالتزام بالمبادئ التي تمنح الوساطة مشروعيتها.
تقييم الإمكانات والقيود الهيكلية أمام الوساطة بقيادة الفاعلين المحليين في البيئات التي تشهد انسحابًا للقوى الخارجية وتآكلًا لمؤسسات الحوكمة، وتحليل ما يتطلبه ذلك من بناء قدرات ومقاربات مختلفة.
الإسهام في نقاش استشرافي حول الوساطة القائمة على المبادئ، والمتكيفة مع السياق في نظام دولي يتجه نحو مزيد من التجزؤ، وما يستدعيه ذلك من إعادة تفكير في المعايير والأدوات وأشكال الشراكة بين المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
تنظيم المنتدى
يُعقد منتدى قطر للوساطة على مدار يومين، السابع والثامن من كانون الأول/ ديسمبر. وتجري أعماله على نحو مختلط يضم أربع حلقات حوارية وخمس جلسات رفيعة المستوى. تُعقد الحلقات الحوارية بغرض توفير مساحة للحوار غير الرسمي الذي يركز على التجربة العملية بين الجهات الفاعلة الرئيسة. أما الجلسات رفيعة المستوى فتجمع نخبة من الشخصيات البارزة والخبراء لمناقشة القضايا الرئيسة من منظورات متعددة، بهدف الدفع بسياسات تمكّن من التصدي للتحديات الملحّة التي تواجه وساطة السلام.
ملاحظة هامة:
حضور منتدى قطر للوساطة يكون عن طريق الدعوة فقط