الجلسات النقاشية:
الجلسة النقاشية الأولى: الوساطة في نظام عالمي متغيّر
تتناول هذه الجلسة التحولات العميقة في بنية النظام الدولي التي تدفع نحو الانتقال من نهج يرتكز على المبادئ والمعايير في صنع السلام إلى مقاربة يغلب عليها الطابع التبادلي والمصلحي. ويناقش المتحدثون تراجع التوافق المعياري الذي وفّر، تاريخيًّا، أساسًا للعمل متعدد الأطراف، وصعود مشهد جديد تتقدّم فيه اعتبارات الأمن والمكاسب النسبية، ويحتل فيه المنطق التبادلي موقعًا مركزيًّا في تفاعلات الأطراف.
ويناقش المشاركون بصورة نقدية آثار هذه التحولات على تصميم عمليات الوساطة، التي من بينها توسّع صفقات النخب، وتراجع الشرعية، وتآكل الأطر الشاملة التي شكلت يومًا ركيزة أساسية لمسارات التسوية. كما تستكشف الجلسة السبل المتاحة أمام الوسطاء للتعامل مع هذه التحديات، وكيف يمكن إعادة بناء مساحات تعتمد المبادئ دون الانفصال عن واقع سياسي يميل أكثر فأكثر نحو البراغماتية والمساومات قصيرة الأجل.
الجلسة النقاشية الثانية:دور دول الخليج في الوساطة: آفاق التعاون الاستراتيجي
برزت دول الخليج، وفي مقدمتها قطر والسعودية والإمارات وعُمان والكويت، خلال العقدين الأخيرين بوصفها أقطابًا دبلوماسية مؤثرة في مجال الوساطة الإقليمية والدولية، مستفيدة من موقع جيوسياسي حساس، وبقدرة متزايدة على العمل المستقل وإدارة الملفات المعقّدة. ويستكشف هذا النقاش التحول في أدوار هذه الدول، وما إذا كانت ديناميات المنافسة التي طبعت مرحلة سابقة تتجه اليوم نحو أشكال من التنسيق الاستراتيجي، وكيف ينعكس ذلك على جهود السلام في المنطقة وخارجها.
وتبحث الجلسة فرص بناء مقاربات خليجية أكثر تماسكًا في الوساطة، وحدود هذا التماسك في سياق إقليمي يمزج بين التنافس والتعاون، وما يمكن أن تمنحه هذه الصيغة من قوة دفع لمسارات التسوية، أو ما قد تفرضه من تحديات على الفاعلين الإقليميين والعالميين على حد سواء.
الجلسة النقاشية الثالثة: الوساطة في عصر التنافس بين القوى الكبرى والمخاطر النووية
يأتي هذا النقاش في سياق دولي يتجدد فيه التنافس بين القوى الكبرى بصورة حادة، وتتصاعد مخاطر الأسلحة النووية، في حين يتراجع نظام الرقابة على التسلح الذي شكّل لعقود ركيزة من ركائز الأمن العالمي، وتنزلق النقاشات السياساتية نحو مقاربات عسكرية وأمنية شبه حصرية، في حين انحسر حضور الوساطة إلى هامش ضيق في محادثات تُدار بمنطق الردع والاصطفاف. والسؤال الواضح هنا هو: هل الوساطة ما تزال قادرة على أداء وظيفة مؤثرة في إدارة هذه التوترات؟ وإن كان ذلك ممكنًا، فما الأدوات التي تُمكّنها من ذلك؟
تجمع الجلسة أصواتًا من الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا وآسيا لتفكيك المشهد الراهن، وتقييم أثر التوترات المتصاعدة على الأمن الدولي، ومناقشة المخاطر الكامنة في ترك التنافس بلا ضوابط. كما تسلط الضوء على الدور المحتمل للطرف الثالث – سواء كان دولة أو مؤسسة أو تحالفًا دبلوماسيًّا – في منع الانزلاق نحو التصعيد، وفتح قنوات اتصال بديلة حين تتعطّل القنوات الرسمية، وتوفير فضاءات للحوار في لحظات يغيب فيها التفاهم وتتعاظم فيها احتمالات سوء التقدير.
الجلسة النقاشية الرابعة: الوساطة عند خطوط التماس: اختبارات العملية والشرعية في بيئات النزاع
تبحث هذه الجلسة ما تكشفه البيئات شديدة الاضطراب- كما في فلسطين والسودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية- عن حدود الوساطة وإمكاناتها حين تُمارس داخل النزاع نفسه، لا من خارجه. ففي هذه السياقات، حيث تتداخل الانهيارات الأمنية مع التعقيدات الميدانية وتضيق قدرة الوسطاء على الوصول، تتعرض المعايير الأخلاقية والمهنية التي تستند إليها الوساطة لاختبارات قاسية تكشف الفجوة بين ما هو مبدئي وما هو ممكن عمليًّا.
وتتناول الجلسة التحديات المتسارعة التي يواجهها الوسطاء مع تراجع الأعراف الدولية، وكيفية التوفيق بين ضرورة الانخراط الفعّال وبين الالتزام بالمبادئ التي تمنح الوساطة مشروعيتها. كما تبحث في إدارة دوائر العنف المتجددة، وفي التعامل مع أطراف فقدت الثقة بالنظام الدولي أو لم تعد ترى في الوساطة إطارًا ملزمًا أو محايدًا. وتطرح الجلسة سؤالًا أساسيًّا: كيف يمكن للوساطة أن تعمل بفاعلية في خطوط تماس تتغير يوميًّا، من دون أن تُستدرج إلى معادلات القوة التي يُفترض بها المساهمة في إعادة توازنها؟
الجلسة النقاشية الخامسة: مستقبل الوساطة في نظام عالمي متغيّر
تتناول هذه الجلسة الأسئلة الاستراتيجية التي تحدّد ملامح الوساطة في عالم يشهد إعادة تشكيل مستمرة لبُناه السياسية والمؤسسية. وتعرض قراءة نقدية لمدى قدرة منظومات السلام الراهنة على الحفاظ على الفاعلية والمرونة والشمول البنيوي في ظل تصاعد التنافس الجيوسياسي، وتراجع الأعراف، وتآكل الثقة بالمؤسسات متعددة الأطراف. كما تبحث الجلسة في السبل الممكنة لإدماج القيادة المحلية بصورة أكثر اتساقًا مع الواقع، بحيث تصبح جزءًا فاعلًا في تصميم وتنفيذ عمليات الوساطة.
وتحاول الجلسة الإجابة عن سؤالين رئيسين: هل تستطيع المنظمات الدولية بناء شراكات عادلة وفعّالة مع الفاعلين المحليين والإقليميين عبر مسارات وساطة متعددة ومتشابكة؟ وهل يمكن ابتكار صيغ للتعاون تعمل فعلًا ضمن بيئة تتسم بالتجزؤ، وتضمن في الوقت نفسه توافق الأهداف واحترام التنوع في المقاربات والفاعلين والأولويات؟
وتسعى الجلسة، من خلال هذا النقاش، إلى استشراف مسارات جديدة قد تعيد تعريف الوساطة بوصفها ممارسة قادرة على التكيّف مع عالم تتغير قواعده وحدوده.
الموائد المستديرة
المائدة المستديرة الأولى: التوسّط في عالم متعدد الأقطاب – ما بعد الحياد: الشرعية والفعالية (بالشراكة مع مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية)
يشهد دور الوساطة، الذي قام طويلًا على مبادئ الإنسانية والحياد وعدم التحيّز، تحولات بنيوية عميقة مع اتساع الانقسامات الجيوسياسية وتراجع الثقة بالمنظومة الدولية. ولم يعد يُنظر إلى الوسيط على أنه طرف محايد بالضرورة، بل فاعل يحمل مصالح، أو يرتبط بولاءات وتحالفات إقليمية، أو يُفترض به أن يتحرك ضمن حسابات استراتيجية تتجاوز منطق المبادئ.
في هذا السياق، لم تعد الأعراف التي حكمت عمليات حلّ النزاعات مسلّمات معيارية ثابتة، بل باتت عُرضة للتأويل وفق اعتبارات الانحياز وميزان القوى. وتبحث هذه الحلقة كيفية الحفاظ على الأسس الأخلاقية للوساطة أو إعادة تصورها ضمن الشروط الراهنة، بما يسمح للوسطاء بالعمل بفاعلية من دون التخلي عن جوهر المبادئ التي تمنح الوساطة مشروعيتها، مع التفكير في الأدوات الواقعية التي تتيح التوفيق بين متطلبات السياق وضوابط العمل المبدئي.
المائدة المستديرة الثانية: الوساطة تحت النار: حماية عمليات السلام وصُنّاع السلام
أظهرت الغارة الجوية التي نفّذتها إسرائيل في التاسع من أيلول/ سبتمبر، واستهدفت قيادات من المكتب السياسي لحركة حماس أثناء وجودهم في مفاوضات بالدوحة، هشاشة عمليات السلام حين تتعرض للاستهداف المباشر في سياقات يغيب فيها احترام القانون الدولي، ويتقدّم فيها منطق القوة على قواعد التسوية. وقد أعادت هذه الحادثة طرح سؤال جوهري حول قدرة الوساطة على الصمود في بيئات تتسم بالتصعيد العسكري، وباضطرابات سياسية تُهدد الأطراف والوسطاء والدول الراعية في آن واحد.
تستكشف هذه الحلقة سبل حماية مسار الوساطة في ظل تصاعد النزاع وتراجع الالتزام بالقواعد الدولية، وتناقش الأدوات الممكنة للحفاظ على سرية المفاوضات وسلامة المشاركين فيها. كما تبحث في الآليات التي يمكن أن توفر حماية للوسطاء والدول المضيفة والضامنة، وكيف يمكن بناء أطر ردع دبلوماسية أو سياسية تمنع الأطراف المتصارعة من استهداف عمليات السلام أو استخدامها ورقةً في صراع أوسع.
المائدة المستديرة الثالثة: الوساطة في ظل أفول تعددية الأطراف (بالشراكة مع معهد جنيف للدراسات العليا)
تشهد المنظومة الدولية المكلّفة بإدارة النزاعات حالة تراجع بنيوي لافت، إذ لم تعد المؤسسات التي شكّلت تاريخيًّا عماد العمل متعدد الأطراف؛ من الأمم المتحدة إلى المنظمات الإقليمية والآليات القانونية الدولية، قادرة على أداء وظائفها بالفاعلية ذاتها. فالعجز السياسي المتكرر، وتسييس القرار، واتساع نطاق الخلاف بين القوى الكبرى، كلها عوامل أضعفت هذه المؤسسات وطرحت أسئلة جوهرية بشأن شرعيتها المعيارية وقدرتها على قيادة جهود السلام.
تبحث هذه الحلقة آثار هذا الضعف على الوساطة، وكيف يعيد غياب إطار متعدّد الأطراف قوي تشكيل منطق تصميم عمليات التسوية وإدارة النزاعات. كما تناقش إمكانات النماذج الدبلوماسية والوساطية الناشئة، الإقليمية منها والثنائية والهجينة، في ملء هذا الفراغ، ومدى قدرتها على الاستجابة للتحديات التي يفرضها عالم يتجه نحو مزيد من التجزئة وتراجع التوافق الدولي.
المائدة المستديرة الرابعة: القيادة المحلية في الوساطة – إمكانات التحول وحدوده (بالشراكة مع منظمة موارد المصالحة)
تستعرض هذه الحلقة موجة الاهتمام الدولي المتجدّد بالقيادة المحلية في عمليات الوساطة، وتطرح تساؤلًا محوريًّا حول طبيعة هذا التوجّه: هل يمثّل تحولًا جوهريًّا في توزيع الأدوار والمسؤوليات داخل منظومات حلّ النزاعات، أم أنه يقتصر على خطاب توافقي يواكب انسحاب الفاعلين الخارجيين دون أن يغيّر البنية الفعلية لصنع القرار؟
ويتناول النقاش المخاطر التي قد تنشأ عن هذا التحول، ولا سيما اختلال توزيع الموارد والسلطة، وإمكان استغلال الفاعلين المحليين أو تحميلهم مسؤوليات تفوق قدراتهم المؤسسية. كما يبحث في المتطلبات البنيوية اللازمة لبناء شراكات حقيقية بين المستويات المحلية والإقليمية والدولية، بما يضمن تمكين القيادة المحلية بصورة فعلية لا شكلية، ويجعلها جزءًا أصيلًا من تصميم وتنفيذ عمليات الوساطة.