​​​​مقدمة

"نحن نقاتل حيوانات بشرية [...] ونتصرف على هذا الأساس"، بهذا التصريح العنصري الفج، وصف وزير الحرب الإسرائيلي، يوآف غالانت، أهالي غزة ومقاومتها، مُحاولًا نزع صفة البشر عن أكثر من مليونين ونصف المليون من مدنيي القطاع، لتبرير ما ارتُكِب وما سيُرتَكب من جرائم وانتهاكات ضدّهم. هذه المرة كانت الانتهاكات غير مسبوقة، مع ما يزيد على عشرة آلاف شهيد، بينهم أكثر من أربعة آلاف طفل، وأكثر من 26 ألف مُصاب حتى وقت إعداد الدراسة، حيث يشكل الأطفال والنساء والمُسنّون ما نسبته حوالى 70 في المئة من الضحايا، إلى جانب تدمير الآلاف من المباني السكنية، والبنية التحتية والمدنية، بأنواعها كلها، بما في ذلك - على سبيل المثال - المجزرة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في 17 تشرين الأول/ أكتوبر، بقصفه المستشفى المعمداني (الأهل).

وفي هذا السياق، يبقى السؤال: أين القانون الدولي الإنساني؟ وإلى أي مدى جرى تطبيقه؟ فقد بدا واضحًا ارتكاب إسرائيل، وفقًا لتقارير وشهادات عدة، انتهاكات فاضحة لطَيفٍ واسع من الاتفاقيات والمعاهدات والقوانين الدولية المتعلقة بقواعد النزاعات المسلحة، في ظل تجاهل معظم دول المجتمع الدولي، التي عمدت مؤخرًا إلى التبرير والدفاع عن تلك الانتهاكات، في مقابل أصوات خجولة من منظمات دولية وصفت أعمال الاحتلال بأنها جرائم حرب، وانتهاك للقانون الدولي، مُطالبةً بمحاكمته، وهي أصواتٌ يبدو كأنها تستدعي قانونًا نائمًا.

لا تسعى هذه الدراسة لإثبات ما هو مُثبت، إنما تحاول مناقشة مجموعة من القضايا المحورية لفهم القانون الدولي الإنساني وتوصيف حالته في سياق الحرب الإسرائيلية على غزة؛ حيث تبدأ ببيان ماهيته وغاية سنّه، ثم الإجابة عن موضع حالة غزة في إطاره، لتنتقل بعدها إلى بحث أبرز الانتهاكات الإسرائيلية له خلال فترة الحرب الآنية على القطاع، لتجيب بعدها عن التساؤلات المثارة بغرض نفي الانتهاكات وتسويغها، مثل حق الدفاع عن النفس ومسألة توجيه الإنذارات قبل القصف. عقب ذلك، تلقي الدراسة الضوء على المخالفات الدولية للقانون والتقاعس في اتخاذ التدابير الممكنة لتعزيز الامتثال له.​