ليست الوساطة لتسوية النزاعات سواء بين الدول أو الأفراد أو الجماعات ظاهرة جديدةً في تاريخ البشريّة، ولكن الاهتمام بالوساطة تنامى في العقود الأخيرة كوسيلةٍ من أبرز الوسائل الرامية إلى فضِّ المنازعات بالطرق السلميّة، واحتواء التوتّرات، والحيلولة دون تفاقم النزاعات والصراعات، وإحلال الأمن والسلم والاستقرار، وإزالة ما عاثت به الحروب والصراعات والأزمات بالشعوب والمجتمعات من خرابٍ ودمارٍ وفُرقةٍ وانقسامٍ وجراحٍ غائرةٍ في وجدانها الجمعي. وبالتساوق مع ذلك، شهدنا توسّعًا كبيرًا في الأدبيّات والأعمال البحثيّة والأكاديميّة التي تُعنَّى بوساطات في أزماتٍ ونزاعاتٍ محدَّدَة، أو بالنهج الذي يعتمده طرفٌ ثالثٌ في وساطاته، سواءً أكان هذا الطرفُ دولةً أو منظّمةً دوليّةً أو جماعةَ مجتمعٍ مدنيّ أو شخصيّةً ذاتَ مكانة، أو باستراتيجيّاتِ الوساطة وفنّ التفاوض وفضّ المنازعات ووضع حدٍّ للصراعات، أو بإعادة النهوض بالمجتمعات التي تُشيِّع قتلاها وتنوء بأثقال إرثٍ من آثار الحروب المُدَمّرَة والنزاعات والأزمات المُستَعْصِيَة.
ولئن كان معظم هذه الأدبيّات قد كُتِبَ بلغاتٍ غير العربيّة، وعلى وجه الخصوص باللغة الإنكليزيّة، فلقد وَضَعَت الترجمة عددًا لا يُستهانُ به من هذه الكتابات في متناول قرّاء العربيّة. بَيْدَ أنّ المكتبة العربيّة ظلّت تفتقر إلى كتابٍ مرجعيٍّ يجمع شتات المفاهيم المتوزِّعَة في بطون تلك الأدبيّات، ويُمكِنُ العودة إليه للحصول على تعريفاتٍ علميّةٍ رصينةٍ ودقيقةٍ تُقدِّم توضيحاتٍ موضوعيّةً وافيةً للمفاهيم والمصطلحات الفنيّة في مجال الوساطة والتفاوض وحلّ النزاعات والأزمات، وما يرتبط بها من مسائلَ وظواهرَ مثل «الإبادة الجماعيّة»، أو «الديمقراطيّة التوافقيّة»، أو «العنف الجماعي»، أو «العمل المدني - العسكري»، أو ما سوى ذلك من الأمور ذات الصلة والتي يجدها القارئ مدرجةً ضمن مداخل هذا الدليل.
وإذ يقتحم هذا الدليل ميدان العمل المعجمي، فإننا توخيّنا أن لا يكتفي بكونه جامعًا وناقلاً لآراء الباحثين. بل راعينا أيضًا معايير الصياغة الجيدة والمقتضبة بدون التفريط بوضوح المفاهيم والأفكار. وغنيٌّ عن القول إنّ العمل على إنتاج دليلٍ معجميٍّ كهذا يتأرجح على تخوم العمل الموسوعيّ مغامرةً لا يتحمّل أعباءها فردً لوحده. فإنتاج هذا الدليل بحلّته الحاليّة استفاد من العمل الدؤوب لفريق بحثيٍّ كرّس الكثير من الجهد والوقت والطاقة في التنقيب عن المصادر، وكتابة الملخصات، وإعداد الصياغات الأوليّة للكثير من المداخل.