يعتبر تبني منهج السياسة الخارجية النسوية، واحدًا من العوامل التي قد تسهم في تحقيق الأمن والسلام والعدالة في العالم، وقد تبنى عدد من الدول بما فيها كندا، والسويد وهولندا وغيرها هذه السياسة، بحيث تتقلد النساء مناصب دبلوماسية رفيعة من وزيرات للخارجية إلى سفيرات يمثلن دولهن.

نظم مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني في معهد الدوحة للدراسات العليا، مساء الأحد 11 آذار/مارس 2018، بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة - اليونسكو، ندوة عامة حول "دور المرأة الدبلوماسية في صنع السلام ومواجهة مآلات الحروب في العالم" بحضور واسع من الدبلوماسيين والأكاديميين والطلبة.

وجاءت هذه الندوة لتوفير منصة تجمع نخبة من المبعوثات الدبلوماسيات في قطر لمشاركة خبراتهن تزامنا مع اليوم العالمي للمرأة، وهن: السيدة "أنّا باولينو " مدير مكتب اليونسكو في الدوحة، والسيدة إيفوني عبد الباقي سفيرة الإكوادور وسفيرة اليونسكو للنوايا الحسنة، و السيدة لولوة الخاطر  الناطق الرسمي في وزارة الخارجية القطرية، و السيدة ايوا بولاني، سفيرة السويد، والسيدة فاطمة محمد رجب سفيرة تانزانيا، و السيدة روسانا سيسيليا سوربالي سفيرة الأرجنتين، و السيدة بهية تهذيب-لي سفيرة هولندا.

أدار الندوة الدكتور سلطان بركات مدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني حيث أشار إلى أن الفعالية تأتي في إطار التركيز على الدور المهم الذي تلعبه المرأة على جميع المستويات في صنع السلام وحل النزاع ودعم التنمية. وهي جزء من التعاون والتواصل مع منظمة اليونسكو لاستشكاف ثقافة بناء السلام من توجهات مختلفة على مدار عام 2018.

وأوضحت السيدة لولوة الخاطر الناطق الرسمي في وزارة الخارجية القطرية،  بأنه عندما يتعلق الأمر بحقوق النساء وبترقيتها، فإن الأمر مدعاة للفخر وللتشجيع سواء في قطر أو بقية البلدان. وبشأن وجود خطط ملموسة، فقد بينت المتحدثة حقوقا للنساء على أجندة القرار منذ عشرين سنة في دولة قطر، وهو أمر مدمج في رؤية 2030. ومن منظور آخر ركزت مداخلة الخاطر  عن نجاعة تمكين النساء والفئات الضعيفة للصمود أمام الانتكاسات، أو من خلال التعافي من الانتكاسات، وقدمت أمثلة لأدوار محورية تقوم بها دولة قطر بهذا الخصوص.

وبالحديث عن الأدوار الأكثر خصوصية التي يمكن للمرأة أن تلعبها، أبرزت الخاطر أنها لا ترى أي آفاق لإيلاء المرأة دورا في الوساطة في حل الأزمات، وفي حماية النسيج الاجتماعي في المجتمع الخليجي، على الرغم من وجود نماذج لنساء قطريات وخليجيات دبلوماسيات، أثبتن جدارتهن وكفاءتهن في هذا المجال، وبالنظر إلى قدرات نساء المنطقة لتولي مناصب قيادية تجعلهن قادرات على أن يكون لهن دورا في تجنب الأزمات وحلحلتها.  

وحول تجربتها بعيد تنصيبها كناطق باسم الخارجية القطرية، انتقدت الخاطر لغة الخطاب التي تستعملها بعض وسائل الإعلام ضد المرأة القطرية، من حيث اختزال أدوارها في ما هو تقليدي، مشيرة في مقابل ذلك، إلى شجاعة النساء القطريات في وقوفهن إلى جانب بلدهن أثناء الحصار، الشيء الذي يجعلهن مستحقات لمناصب لصنع السياسات.

بدروها شاركت السيدة إيفون عبد الباقي، سفيرة الإكوادور، الحضور تجربتها الشخصية في إحلال السلام في بلدها أثناء الأزمة مع البيرو، حيث كانت المرأة الوحيدة التي شاركت في المفاوضات بين الجانبين وذلك بدعوة من رئيس الإكوادور، مشيرة إلى أن المرأة تعطي منظورا مختلفا عن ذاك الذي يقدمه الرجال في أي مفاوضات ونقاش، وهو ما حدث بالفعل بعد نجاحها رفقة الوفد المرافق لها في دفع الأطراف المتنازعة إلى تجاوز الأزمة.

من جهتها، ركزت السيدة ايوا بولاني، سفيرة السويد في قطر، في مداخلتها على السياسة الخارجية لبلدها، والتي تساوي الرجال بالنساء، مبرزة وجود قوى سياسية ودبلوماسية داعمة عززت من العنصر النسائي في الشؤون الخراجية والداخلية لبلدها، حيث تقوم سياسة السويد الخارجية على هذه الاستراتيجية والتي تظهر نتائجها في الدراسات والأبحاث، إذ تحقق كل المجتمعات التي تساوي بين الجنسين السلام والأمن والتنمية.

وحول تأثير الاستراتيجية السويدية في هذا المجال دوليا، ذكرت السيدة ايوا بولاني أن لبلادها استراتيجيات عمل أدرجت خططا أممية، بحيث تم تعزيز صوت النساء في جميع البيانات الصادرة عن الأمم المتحدة، كما أن بلادها عينت 15 سفيرة تعنى بشبكة الوساطة في الأمم المتحدة في مختلف النزاعات، أبرزها النزاع السوري.

فاطمة محمد رجب سفيرة جمهورية تنزانيا المتحدة في قطر، وفي جوابها عن سؤال دور المرأة في المبادرات المحلية لإحلال السلام، قالت إن هناك قصص نجاح لم تأت من فراغ، بل من مبادرات ومساع من الاتحاد الافريقي والأمم المتحدة، بهدف دمج النساء للمشاركة في اتخاذ القرارات، والنتيجة لذلك وجود عدد لا يستهان فيه من النساء الأفريقيات اللواتي يلعبن دورا أساسيا، مع الرجال، في تقديم الدعم للنساء النازحات واللواتي يتعرضن للتحرش الجنسي بسبب الحروب.

وقد عددت السيدة فاطمة محمد رجب تجارب ناجحة لنساء شغلن مناصب مهمة كبرلمانيات ووزيرات وقاضيات في محاكم، وأخريات في الجيش وفي قوات حفظ السلام، هذه الأخيرة التي تلعب دورا محوريا في نزع فتيل الحرب وإحلال السلام.

من جانبها، قدمت السيدة روسانا سيسيليا سوربالي سفيرة الأرجنتين في قطر، مداخلة تحدثت فيها عن الشوط الكبير الذي قطعته الأرجنتين من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين، وهو المشوار الذي أخذ 100 سنة من النضال من أجل تحقيق مكاسب للمرأة الأرجنتينية. وهو ما تحقق بعد سن قانون 1947، الذي سمح للمرأة بالتصويت، مع ما كان له من دور كبير في تحسين وضعيتها على جميع المستويات.

كما ركزت سيسيليا سوربالي على تجربة مهمة شهدتها الأمم المتحدة قبل سنتين، حين رشحت الأرجنتين إمرأة لشغل منصب الأمين العام للأمم المتحدة، مشيرة إلى أن المسؤولين في بلدها ارتأوا بأنه قد حان الوقت لتولي المرأة هذا المنصب، نظرا للكفاءة التي أظهرتها الدبلوماسيات في تعاطيهم مع الأزمات، فمع أن هناك منهن من لا يظهرن في الصورة، لكنهن يعملن بجد وكفاءة من أجل إحلال السلام في أوطانهن وفي خارجها.

على صعيد متصل، قالت السيدة بهية تهذيب-لي سفيرة هولندا، إن المرأة والسلام والأمن جزء من النسيح الذي يشكل ثقافة بلدها، وهو أمر لطالما سعت الحكومة الهولندية من أجل تحقيقه، مع الدفع إلى تبنيه أمميا. وهو ما تحقق سنة 2000 مع تبني مجلس الأمن قرارا يوصف بالثوري حول المرأة والسلام والأمن، والذي أكد على "الـدور الهـام للمـرأة في منـع الصراعـات وحلـها وفي بنـاء السـلام، وتشديده على أهميـة مسـاهمتها المتكافئـة ومشـاركتها الكاملـة في جميـع الجـهود الراميـة إلى حفظ السلام والأمن وتعزيزهمـا، وعلـى ضـرورة زيـادة دورهـا في صنـع القـرار المتعلـق بمنـع الصراعات وحلها".

في مقابل ذلك، انتقدت السيدة بهية تهذيب-لي النسبة الضئيلة لتمثيل المرأة في عمليات السلام، حيث تكشف الأرقام أن نسبة حضور المرأة في عمليات السلام تقل عن 10 %، فيما تمثل نسبة حضور المرأة ضمن كبار الوسطاء أقل من 2%.

وفي ختام الندوة، تم فتح باب النقاش مع الحضور الذي طرح أسئلة وشارك بمداخلات حول آفاق تفعيل دور المرأة والجهود التي يمكن العمل عليها لتذليل التحديات التي تواجهها أمام تحقيق مشاركة فاعلة لعى جميع المستويات بما فيها السياسية.