لاجئون سودانيون يبحثون عن مأوى آمن في تشاد(رويترز).

تم نشر الورقة التحليلية على موقع مركز الجزيرة للدراسات

تدهورت الأوضاع الإنسانية في السودان بشكلٍ عام، وفي العاصمة الخرطوم بشكلٍ خاص، مع تفجر الصراع بين القوات المسلحة السودانية بقيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، في منتصف شهر أبريل/نيسان 2023. وقد تسبب الصراع في مقتل المئات من المدنيين ووقوع ما يزيد عن خمسة آلاف جريح وفشل عدة مبادرات للاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيغاد (IGAD) لوقف إطلاق النار، ناهيك عن مبادرات رؤساء عدد من الدول العربية والإفريقية. ولم تتمكن الوساطة الأميركية السعودية بعدُ من ضمان وقفٍ كاملٍ لإطلاق النار، نظراً لعشرات الخروقات التي شهدتها الهدن التي أُعلن عنها سابقًا.

عادةً ما يصاحب نشوب الصراعات، تدهور في الأوضاع الإنسانية وتزايد الاحتياجات الأساسية وبروز تعقيدات في الاستجابة نتيجةً لديناميكيات الصراع المعقدة. وتعد مسألة تقديم الإغاثة الفورية أحد أوجه تخفيف المعاناة الإنسانية، دون إغفال التخطيط لإيجاد حلول على المدى الطويل.

لقد عانى السودان من أزمات إنسانية منذ فترات طويلة، نظرًا للنزاعات المتعاقبة التي تعرض لها، مثل أزمة دارفور وأزمة حرب جنوب السودان التي أفضت إلى انفصال جنوب السودان كدولة مستقلة. إلى جانب ذلك، شهد السودان حراكاً ثورياً انتهى في أبريل/نيسان 2019 بخلع الرئيس السابق عمر البشير عقب ثلاثة عقود من الحكم. ومع اندلاع الصراع المسلح بتاريخ 15 أبريل/نيسان 2023 نتيجةً لتغير موازين القوى العسكرية التي شاركت في تشكيل مشهد ما بعد الثورة، تقلص "الفضاء الإنساني" إلى حدٍ كبير. فتعرض المدنيون إلى أضرار هائلة، وقتل عدد من العاملين في المجال الإنساني، وخرج القطاع الصحي برمته من العمل وتقديم الخدمات الضرورية، وانسحبت المنظمات الدولية، لاسيما وكالات الأمم المتحدة من مواقعها بفعل القتال الدائر.

يشير مفهوم الفضاء الإنساني إلى "بيئة عمل يتمسك فيها السكان بحقهم في الحصول على الحماية والمساعدة الإنسانية، بما يمكن المنظمات الإنسانية من العمل الإنساني الفاعل عبر الاستجابة لحاجات السكان الطارئة بطريقة نزيهة ومستقلة"(1). تعرض هذه الورقة التحليلية خلفيات الأزمة الحالية في السودان، وتناقش التحديات التي تواجهه والتي جعلت منه مثالًا صارخًا لانحسار الفضاء الإنساني، ومن ثم تستكشف خطورة تسييس العمل الإنساني وتداعياته. وبناء على مخرجات ورشة العمل التي احتضنها مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني في الدوحة حول تطورات الوضع في السودان مع ممثلين عن منظمات الأمم المتحدة والجهات الإنسانية القطرية، والتي عقدت بتاريخ 18 مايو/أيار 2023، تقدم الورقة مجموعة من الخطوات الضرورية للاستجابة الإنسانية والحيلولة دون المزيد من انحسار الفضاء الإنساني في السودان.

خلفيات الأزمة الراهنة

يواجه السودان أزمة سياسية معقدة هي نتاج عدة سنوات من انعدام الثقة بين النخب العسكرية والسياسية ومراحل متعددة من محاولات الانتقال الديمقراطي المتعثرة. فما لبثت أن تجاوزت البلاد أزمتي دارفور وانفصال جنوب السودان، حتى شهدت في 11 أبريل/نيسان 2019، انعطافًا هامًا في الحياة السياسية ستكون له آثار عميقة على النظام السياسي برمته. فبعد الإطاحة بنظام عمر البشير إثر مظاهرات سلمية اندلعت شرارتها الأولى في ديسمبر/كانون الأول 2018 ودامت عدة أشهر، دخلت البلاد في مرحلة انتقالية لمدة عامين، كان يفترض أن تجري في نهايتها انتخابات عامة. كان يمكن أن تشكل نهاية نظام البشير بداية مرحلة جديدة من التداول السلمي على السلطة، وأن تتبعها خطوات أخرى في إطار عملية التحول الديمقراطي، إلا أن الاتفاق على المرحلة الانتقالية كان مخالفا لتوقعات العديد من التيارات السودانية الداعمة للثورة، والتي نادت بتقاسم السلطة مع المدنيين. وأبرز تلك التيارات "قوى إعلان الحرية والتغيير"، التي تشكل "ائتلافا من 22 حزبًا سياسيًّا وجماعة اجتماعية سودانية أُسس في يناير/كانون الثاني 2019 لقيادة المعارضة المدنية"(2).

ومع توقيع الاتفاق الإطاري في 5 ديسمبر/كانون الأول 2022، والذي يعد بمثابة خطة جديدة للانتقال السياسي، كان من المفترض أن يبدأ فصل جديد من فصول السياسة السودانية، بما في ذلك الاتفاق على آلية تسليم السلطة للمدنيين، غير أن المكونين المدني والعسكري لم ينجحا في تنفيذ بنود هذا الاتفاق على أرض الواقع(3). ففي سياق التنافس المحتدم بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، شكّل الخلاف على دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني سببًا جوهريًا في فشل الاتفاق الإطاري، وبالتالي في اندلاع الأزمة الراهنة.

يشير أحد التفسيرات إلى أن مساعي قائد قوات الدعم السريع حميدتي للتحالف مع التيارات المدنية في ائتلاف قوى الحرية والتغيير أثارت حفيظة قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، ما أدى إلى نشوب الصراع بين الطرفين. ويحاول حميدتي تحسين صورته أمام المجتمع السوداني والدولي من خلال التحالف مع بعض القوى المدنية السودانية، في حين أنه كان من الداعمين لتولي المكون العسكري الحكم بعد الإطاحة بنظام البشير(4). وإذا استمرت حالة انعدام الثقة بين أطراف النزاع فإن الأزمة الإنسانية ستتعمق، وسيواجه السودان سيناريو كارثة إنسانية ستمتد آثارها إلى دول الجوار....

 لقراءة الورقة التحليلية كاملة، يمكنكم زيارة موقع مركز الجزيرة للدراسات