استضاف مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني في الدوحة الدكتور فرانسيس دينق، السفير المتجول، والممثل الدائم لجنوب السودان لدى الأمم المتحدة، والسفير السابق للسودان في عدة دول، والمستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في مجالات عدة، في محاضرة بعنوان: "المسار إلى الاستقرار والسلام والانتقال الديمقراطي: التحديات الراهنة في السودان وجنوب السودان"، وذلك يوم الثلاثاء الموافق 26 أيلول/ سبتمبر 2023.  وأدار المحاضرة الدكتور خليل عثمان، وهو باحث أول في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني.

ركّزت المحاضرة، التي عُقدت في المدرج 02 بالمبنى الثقافي في مقر المركز، على التحديات الراهنة في السودان وجنوب السودان، بعد أن أعلن الأخير استقلاله بتاريخ 9 تموز/ يوليو عام 2011، وتداعيات ذلك على مسار السلام والتحول الديمقراطي في البلدين، وجمعت طيفًا واسعًا من الخبراء والمختصين والدبلوماسيين والأكاديميين والأفراد المهتمين الآخرين في الشأن السوداني، وبضمنهم الجالية السودانية في الدوحة.

استهل الدكتور فرانسيس دينق المحاضرة بالحديث عن ظاهرة التنوع العرقي والثقافي والديني، وأشار إلى أن حالة التنوع التي تسود المجتمعات هي ظاهرة طبيعية في الواقع، وإنما تكمن الإشكالية الحقيقية في الآلية التي يدار بها مثل هذا التنوع؛ فغالبًا ما يواجه هذا التنوع بالتمييز والاستبعاد، وإنكار الانتماء، وتهميش الحقوق من قبل النظم الحاكمة ضد طرف معين، وحينما يحدث ذلك فإن هذا الطرف يسعى لتغيير النظام، أو إصلاحه، أو الثورة عليه، أو التمرد. وفي المقابل فإن هذه الأنظمة، في كثيرٍ من الحالات، تواجه السعي إلى التغيير أو الثورة أو التمرد باستخدام القوة والقمع ضد الطرف الآخر، لتصل في نهاية المطاف إلى حالة الإبادة.

وفي مثل هذه الحالات فمن الضروري - وفق المتحدث - التوصل إلى تسوية تشمل وضع إطار عمل للحكم الذاتي من أجل تحقيق التكامل والانسجام لتطوير هوية مجتمعية، حيث لا تمييز على أساس الخلفية الثقافية أو الدينية أو العرقية.

وتابع الدكتور دينق حديثه بالتطرق إلى رؤيته بشأن الحل في السودان؛ مبينًّا أنها تكمن في توسيع مفهوم الدولة الواحدة، والقدرة على استيعاب أنظمة متعددة، داعيًا إلى وقف فوري للقتال، والبحث في حيثيات مسألة انتماء الجميع وشعورهم كمواطنين متساوين. ويعتقد أن جزءًا من الحل يمكن تصوره في أن يكون لكل منطقة نظامها الخاص بواقعها على الأرض، وقيمها الثقافية، والترتيبات المؤسساتية استنادًا إلى الأنظمة المحلية.

ويرى دينق أن المؤسسات في المنطقة هي نتاج الموروث الاستعماري، وذلك ما يضع المنطقة أمام إشكالية أخرى رئيسة. ومما يزيد الوضع سوءًا أن المؤسسات التقليدية لم تحاول التغلب على هذا الموروث بطريقة تعكس حقائق الواقع والاستفادة من السياق وقلبه لمصلحتها، بل على العكس تمامًا.

بناءً عليه، فإن مرتكزات الحل والتسوية تتمثل في تمكين الإدارة المحلية وتأسيس نظام حكم يتناسب مع واقع المجتمعات في المنطقة الأفريقية. وذكر الدكتور دينق أن هناك فرقًا بين الأنظمة التي تستند إلى العقاب والأنظمة التي تستند إلى المصالحة، وفي حالة النموذج الأفريقي فثمة حاجة إلى المضي قدمًا نحو المصالحة وعدم الرجوع إلى الوراء. ومع أن تحقيق الوحدة  ربما لا يتحقق كليًّا، فإن المهم هو تحقيق حالة من التقارب أيًّا كانت، سواء أطلق عليها حكومة فيدرالية أو حكم ذاتي.

خلال جلسة الأسئلة والأجوبة ناقش الحضور الكريم محاور متعددة، تركزت على مستقبل السودان وجنوب السودان، ومدى احتمال حصول اندماج مستقبلي بين البلدين، ولا سيما إذا أُخذ في الحسبان الاعتمادية المتبادلة بينهما، والصراع الحاصل في السودان ومسار عملية السلام.

وأشار المتحدث في معرض الإجابة عن هذه الأسئلة والتعليقات إلى أنه في سياق الأزمة ما بين السودان وجنوب السودان فقد توصل أطراف الصراع، وكذا القوى الإقليمية والدولية والمجتمع الدولي، إلى نتيجة مفادها أن الانفصال كان ضروريًّا لإقامة السلام في السودان، ولكن منذ ذلك الحين شهد السودان وجنوب السودان تفاقمًا في مشهد العنف. وأوضح أن هناك احتمالًا لوجود طرق لإحلال السلام بين البلدين والوصول إلى طرق رسمية لوضع الارتباطات، مع الحاجة إلى وساطة طرف ثالث من داخل السودان للتوصل إلى تسوية واتفاق بين الطرفين، حتى لا يدع مجالًا للشك بأن مسألة خضوع أحد الأطراف والاستسلام قد حدثت بسبب مجريات الحرب وأحداثها.

وفي الختام، شدّد المتحدث على ضرورة العمل على إدارة التنوع البنّاء، مع الوضع في الحسبان أن الهدف الأساسي في أفريقيا هو تحقيق التكامل لا إدارة التنوع، إذ تعد إدارة التنوع جزءًا أساسيًّا من طبيعة وواقع الجماعات المتفردة. وأضاف بأن وجود هذه الجماعات المتفردة لا يعني بالضرورة التناحر والتضارب، بل يجب الاعتراف بمسألة الاختلافات القائمة بين الجماعات والسعي نحو الوحدة كشعبٍ واحد. وأشار إلى أن التنوع ليس السبب الرئيس وراء الانقسام في السودان، لكن الطريقة التي يمارس فيها هذا التنوع. فعلى سبيل المثال الفروقات الدينية ليست سبب النزاع، ولكنَّ الطريقة التي يمارس بها الدين لها دور رئيس في النزاع. كما أن مسألة الهوية لا علاقة لها بالانقسام، بوصفها جزءًا ماديًّا غير ملموس، ولكن عندما تستحوذ فئة معينة على القوة وتحتكر السلطة والموارد فحينها قد تتسبب مسألة الهوية بالانقسام.

يأتي الحدث في وقتٍ يُراودُ فيه القلق الجميع حول مستقبل السودان والمنطقة، ولا سيما في ظل عدم إنجاز تقدمٍ ملحوظ في عملية السلام منذ اندلاع الحرب الأخيرة في منتصف نيسان/ أبريل عام 2023.

من الجدير بالذكر أن المحاضرة تعد جزءًا من سلسلة كان قد أطلقها المركز في وقتٍ سابق؛ سعيًا لمناقشة الصراع في السودان، ودعم الجهود المبذولة لإنهائه، وتحقيق الاستقرار والانتقال الديمقراطي في البلاد.

 


لمزيد من المعلومات، يمكنكم التواصل عبر البريد الإلكتروني chs@chs-doha.org