تم نشر المقال في الأصل باللغة الأنجليزية على موقع  Middle East Monitor


شكّلت القمة العربية الطارئة بشأن إعادة إعمار غزة، التي عُقدت في القاهرة أمس، لحظةً نادرة من الوحدة الإقليمية. وقد كان انعقادها استجابةً للأزمة الإنسانية الكارثية في غزة، وللإجابة عن السؤال المتعلق بـ"اليوم التالي" لتوقف القصف على غزة.

وكان اقتراح الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بشأن إعادة إعمار غزة محور المناقشات، حيث قدّم خارطة طريق واقعية للمستقبل. وعلى الرغم من أن الخطة تمثّل إنجازًا مهمًّا فإن نجاحها سيعتمد على اجتياز حقل ألغام من التحديات الجيوسياسية، لا سيما تعنت إسرائيل والحاجة إلى دعم الولايات المتحدة.

استوفت الخطة بالفعل عدة أهداف مهمة، يمثل كثير منها انتصارات دفاعية ضد بدائل خطيرة؛ فهي توفر إطارًا عمليًّا وواقعيًّا يمكن للمجتمع الدولي التفاعل معه. وعلى عكس الرؤى الغامضة أو المجزأة التي تقدمها جهات فاعلة أخرى، ومن ضمنها إسرائيل والولايات المتحدة، تقدم هذه الخطة في الواقع رؤية واضحة لغزة ما بعد الحرب؛ فهي تتناول قضايا حرجة مثل الحوكمة والأمن وإعادة الإعمار، وتضمن في الوقت نفسه بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه مع إعادة بناء حياته. وهذه ميزة كبيرة، لأنها تتصدى بشكل مباشر لأجندة ترامب ونتنياهو للتهجير القسري والتطهير العرقي، وهي خطة سعت إلى إعادة توطين الفلسطينيين خارج غزة وتجريدهم من أراضيهم وحقوقهم المشروعة.

لم يكن هذا الموقف مجرد كلام؛ إذ تعرض الخطة رؤية عملية لإعادة الإعمار، تشرف عليها لجنة فلسطينية بالتعاون مع جهات دولية فاعلة، وخصوصًا مصر. ماذا يعني هذا؟ إنها تضمن للفلسطينيين الحفاظ على حقهم في تقرير مصيرهم، مع الاستفادة من الدعم الدولي. كما أنها تبعث برسالة واضحة إلى الولايات المتحدة مفادها أنه يمكن إعادة إعمار غزة من دون تهجير سكانها. علاوة على ذلك، فإن مستوى الوحدة العربية الذي تجلّى في القمة يعزز الموقف العربي في المفاوضات مع الولايات المتحدة وإسرائيل. ومن الجوانب المهمة للغاية أن الخطة، على الرغم من أنها تستبعد حماس من جهود الحوكمة وإعادة الإعمار، فهي لا تُلزم الحركة بنزع سلاحها، بل إنها- بدلًا من ذلك- تربط مناقشات الوضع العسكري لحماس بالهدف الأوسع المتمثل في إقامة دولة فلسطينية، وهو نهج عملي يتماشى بالفعل مع موقف حماس.

نجحت الخطة أيضًا في الضغط على السلطة الفلسطينية لإجراء بعض الإصلاحات، من بينها إجراء انتخابات عامة ورئاسية وتعيين نائب للرئيس. تعكس هذه التنازلات، وإن كانت واسعة النطاق، فعالية النفوذ الدبلوماسي العربي، وتمثل خطوة نحو مزيد من الوحدة والمساءلة الفلسطينية، ومن ثم فإنها قد تكون مكسبًا صغيرًا ولكنها تحمل دلالة مهمة في منطقة لطالما كان الجمود السياسي فيها هو القاعدة.

ومع ذلك، لا يزال موقف إسرائيل يمثل تحديًا كبيرًا أمام الخطة المصرية. فبينما تلبي الخطة بعض المطالب الإسرائيلية، مثل استبعاد حماس من الحكم، فإنها لا تتطرق إلى إصرار إسرائيل على الاحتفاظ بالسيطرة الأمنية المباشرة على غزة، حيث دعت حكومةُ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مرارًا وتكرارًا إلى تهجير الفلسطينيين من غزة، ويؤكد رفضُ إسرائيل لبيان القمة العربية هذا التوجه. وقد انتقدت وزارة الخارجية الإسرائيلية نهج القمة، معتبرةً أنه لا يعكس الواقع على الأرض، ويغفل أي إشارة إلى التوغل الذي قادته حماس عبر الحدود في 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وسيكون للولايات المتحدة دور حاسم أيضًا؛ إذ إن تأييد الولايات المتحدة للخطة، بالنظر إلى نفوذها على إسرائيل، يُعد أمرًا بالغ الأهمية -إن لم يكن شرطًا أساسيًّا- لنجاحها.

إلى ذلك أخفقت الخطة في صياغة استراتيجية ملموسة للضغط على إسرائيل لرفع الحصار عن غزة، الذي فاقم المعاناة الإنسانية إلى مستويات غير مسبوقة. وقد أدى الحصار الحالي إلى معدلات مقلقة من الجوع والحرمان، أسوأ حتى مما كان عليه الحال في ذروة الإبادة الجماعية، حيث جرى قطع المساعدات الإنسانية والإمدادات الأساسية عمدًا. فلم تعالج القمة- للأسف- هذه الأزمة، ولم تطالب إسرائيل بتعويضات عن الدمار الذي سببته.

وعلى الرغم من إعادة القادة العرب تأكيدهم على مبادرة السلام العربية لعام 2002، فإنهم أخفقوا في بلورة تدابير ملموسة للضغط على إسرائيل، مثل العقوبات الاقتصادية أو العزل السياسي، والجميع يدرك أن إسرائيل لا تستجيب للنداءات والخطابات الدبلوماسية؛ بل تستجيب للإجراءات التي تفرض عواقب فعلية. ومن دون هذه التدابير، فإن الخطة مُهدَّدة بأن تُصبح مبادرة أخرى حسنة النية لكنها غير فعّالة في نهاية المطاف.

وبناء عليه، يتعين على الدول العربية الحفاظ على وحدتها، واستثمار نفوذها الجماعي في المفاوضات الدولية. ويجب عليها أيضًا معالجة الثغرات في استراتيجيتها، وخصوصًا غياب التدابير الملموسة للضغط على إسرائيل والتخفيف من حدة الأزمة الإنسانية في غزة.​

الطريق أمامنا طويل ومليء بالتحديات، لكن القمة العربية أرست أساسًا واعدًا. فبالحرص والأمل والجهد المتواصل والبصيرة الاستراتيجية والعزيمة الراسخة، قد تجد المنطقة طريقها نحو العدالة والاستقرار والسلام لغزة وللشعب الفلسطيني.


تم نشر المقال في الأصل باللغة الأنجليزية على موقع  Middle East Monitor​​