تم نشر المقال في الأصل باللغة الانجليزية على موقع Middle East Monitor
بدأ شهر رمضان في نهاية الأسبوع، وبدأ المسلمون حول العالم شهرًا كاملًا من الصيام والصلاة واللقاءات العائلية والمجتمعية، إلا أن الأجواء في غزة تخلو من أي مظاهر احتفالية، فمع استمرار الحصار الذي تفرضه إسرائيل، وقرارها بمنع المساعدات الإنسانية، يواجه الفلسطينيون مرة أخرى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث.
وعلى الرغم من إعلان إسرائيل موافقتها على اقتراح المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بتمديد المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار مع حماس خلال شهر رمضان وعيد الفصح اليهودي، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يوم الأحد، منع جميع المساعدات الإنسانية إلى غزة، وذلك بهدف الضغط على حماس لتمديد المرحلة الأولى، المنتهية الآن، من اتفاق وقف إطلاق النار المُوقّع في كانون الثاني/ يناير. وقد شدد منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، توم فليتشر، على أن القانون الإنساني الدولي يُلزم بوصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق، واصفًا قرار إسرائيل بأنه مُقلق.
هذا القرار جزء من جهود إسرائيل الأوسع لتقويض وقف إطلاق النار واستئناف العمليات العسكرية.
منذ بدء سريان الاتفاق انتهكت إسرائيل الهدنة مرارًا وتكرارًا، متسببة بمقتل 116 فلسطينيًّا وإصابة ما يقرب من 500. علاوة على ذلك، أرجأت إسرائيل إطلاق سراح 620 أسيرًا فلسطينيًّا، على الرغم من التزام حماس بإطلاق سراح ستة إسرائيليين الشهر الماضي. وقد أثارت هذه الانتهاكات المستمرة على مدى الشهرين الماضيين المخاوف من أن إسرائيل تنوي تصعيد النزاع، وهو ما يعرض ملايين الأرواح للخطر، ممن هم في الأصل على حافة المجاعة، وسط غياب شبه تام للرعاية الصحية والمأوى.
حتى قبل الإعلان الإسرائيلي الأخير، كشفت الصور الواردة من غزة عن الحقائق الوحشية للحرب، على الرغم من وقف إطلاق النار. فبينما يقضي المسلمون في أنحاء العالم شهر رمضان وهم مطمئنون إلى توفر الطعام والماء للإفطار، يكافح الفلسطينيون في غزة من أجل تأمين أبسط مقومات البقاء. وعلى الرغم من محاولات بعض العائلات إحياء أجواء الشهر الفضيل، بوضع موائد الطعام بين الأنقاض في رفح وبيت لاهيا، على سبيل المثال، تعبيرًا عن الصمود والأمل، فإن جهودهم لا يكاد يُلتَفت إليها أمام الأزمة الإنسانية المتفاقمة. وقد أدى قرار إسرائيل بفرض مزيد من القيود على المساعدات إلى ارتفاع الأسعار، ما جعل كثيرين عاجزين عن شراء الطعام في ظل استعدادهم لاحتمال تصعيد جديد.
تواجه إدارة نتنياهو بالفعل غضبًا شعبيًّا متزايدًا بسبب فشلها في تأمين إطلاق سراح الإسرائيليين المحتجزين في غزة على مدار 15 شهرًا من حرب الإبادة الجماعية. علاوة على ذلك، وعلى الرغم من أشهر طويلة من العمليات العسكرية، لم تتمكن إسرائيل من تدمير حماس، التي لا تزال تفرض سيطرتها على غزة، وهو ما تجلى بوضوح خلال عمليات تبادل الأسرى الأخيرة.
بالنسبة للفلسطينيين، فإن العودة إلى الحرب ستترتب عليها عواقب وخيمة، لا سيما مع تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل متزايد، حتى في غياب القتال المباشر. وقد أكدت منظمات دولية، مثل اليونيسف، أنه في حين أتاح وقف إطلاق النار فرصة لتوسيع نطاق تقديم المساعدات، فإن مستوى الدمار والاحتياجات الهائلة يفوق بكثير الموارد المتاحة. كما أشار برنامج الغذاء العالمي إلى أن أكثر من مليوني فلسطيني في غزة بلا مأوى ويعتمدون كليًّا على المساعدات الغذائية للبقاء على قيد الحياة. ومع قرار إسرائيل بوقف المساعدات الإنسانية فإن حياة الملايين معرضة لخطر داهم، وستتفاقم الأزمة إذا استؤنف الهجوم الإسرائيلي.
من الضروري أن تضغط الهيئات الدولية والوسطاء والمنظمات الإنسانية لضمان استمرار وقف إطلاق النار وضمان وصول المساعدات من دون قيود، وفقًا للقانون الدولي والقرارات الدولية ومحكمة العدل الدولية. لا يجوز أن تتفاقم معاناة الملايين في غزة بسبب المناورات السياسية، وينبغي عدم تقييد المساعدات الإنسانية أو منع وصولها إلى المحتاجين بسبب الأجندات السياسية. وللاستجابة لهذه الاحتياجات العاجلة لا بد من إجراء مفاوضات حقيقية بين جميع الأطراف، ولكن قبل كل شيء يجب أن يتوقف استخدام المساعدات الإنسانية وسيلةَ ضغط لتحقيق الأهداف السياسية. ويجب أن يكون الالتزام بالقانون الإنساني الدولي وضمان التدفق الفوري للمساعدات إلى غزة أولوية عالمية ملحّة.