فلسطينيون يتفقدون مبنى بعد غارة جوية إسرائيلية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة الائتمان: أنس محمد / شاترستوك

تم نشر هذا المقال في الأصل باللغة الإنجليزية، وهو جزء من مبادرة HPN، التي تم إنشاؤها لمشاركة آراء العاملين في المجال الإنساني والباحثين حول الوضع في غزة.

استخدم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، المستمر منذ ستة أسابيع، سلاح وقف إدخال المساعدات الطبية والإنسانية، الذي يعد جزءًا لا يتجزأ من سياسة إسرائيل في غزة، علمًا أن عرقلة إيصال المساعدات أو التلاعب بها لأغراض سياسية أو عسكرية يعد انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي، وقد يصل إلى درجة جرائم الحرب. لذا فإن تعامل إسرائيل مع المساعدات الطبية والإنسانية في غزة يثير مخاوف أخلاقية وقانونية.


وقد تسبب الاستهداف المتعمَّد للعاملين في المجال الطبي وسيارات الإسعاف والبنية التحتية للرعاية الصحية ومرافق معالجة المياه، في زيادة تعقيد ما تواجهه الصحة العامة في غزة من تحديات، بالإضافة إلى أن الشروط المفروضة على المساعدات الإنسانية المحدودة، والقيود المبرمة على الوقود والكهرباء والمياه، أدت إلى انهيار نظام الرعاية الصحية، الضعيف بالأصل، وتفاقم نقاط الضعف الموجودة سابقًا.


دمرت الحرب مستشفيات غزة وخدمات الرعاية الصحية، إذ أبلغت منظمة الصحة العالمية عن وقوع 137 هجومًا على مرافق الرعاية الصحية ما بين 12 تشرين الأول/ أكتوبر و14 تشرين الثاني/ نوفمبر، أسفرت عن مقتل أكثر من 16 عاملًا في مجال الرعاية الصحية. وأُغلقت معظم المستشفيات بسبب الهجوم المستمر ونقص الموظفين والأدوية والمعدات والوقود، وهو ما زاد في صعوبة تلبية الاحتياجات الطبية للناس.


كذلك، لم تسمح إسرائيل إلا بنصف الحد الأدنى اليومي من احتياجات غزة من الوقود، وهو ما لا يكفي لمحطات تحلية المياه والمستشفيات وسيارات الإغاثة. وعدم كفاية الوقود سيؤدي حتمًا إلى ندرة مياه الشرب النظيفة، التي بالأصل لا تلبي سوى ثلثي الاحتياجات اليومية. هذا فضلًا عن الاحتمال الكبير لتفشي الأمراض بسبب فيضانات مياه الصرف الصحي في أجزاء كبيرة من غزة، وبقاء 70% من النفايات دون جمع. وللأسف، فإن القيود المفروضة على الوقود تضع المنظمات الإنسانية في مواقف تفرض عليها تخير الخدمات الحيوية التي يجب تقديمها، حيث إن مستويات الإمدادات التي تدخل رفح يوميًّا أقل بكثير من الاحتياجات الإنسانية.


في الصراعات والأزمات، لا يقتصر استخدام المساعدات الطبية والإنسانية كسلاح على كونه انتهاكًا لمبادئ الإنسانية والحياد وعدم التحيز وحسب، بل إنه يقوض أيضًا الحقوق الأساسية للمدنيين في الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية والمساعدة الإنسانية. وقد أشارت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مؤخرًا إلى أن تصرفات إسرائيل "قد تكون" انتهاكًا للمواد 55 و56 و59 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تلزم بحماية المدنيين في الأراضي المحتلة. لذا فإن التمسك بمبادئ القانون الإنساني الدولي وضمان الوصول إلى المساعدات الإنسانية دون عوائق من الأمور المهمة جدًّا للتخفيف من تأثير النزاعات المسلحة والأزمات الإنسانية على الصحة العامة.


من الضروري أن يتحرك المجتمع الدولي على نحوٍ عاجل لوقف استخدام إسرائيل للمساعدات الطبية والإنسانية سلاحًا، وهذا يتطلب التزامًا جماعيًّا من خلال تضافر الجهود الدبلوماسية والمساءلة القانونية والدعوة لحماية السكان المدنيين. ورغم أنه لا جدال حول أهمية ذلك، فمن الضروري أيضًا الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة؛ فهذا أمر بالغ الأهمية وغير قابل للتفاوض؛ ففي هذه المرحلة حتى لو قُدِّمت المساعدات الإنسانية والطبية، تبقى القدرات البشرية في المرافق الطبية بحالة حرجة، والبنية التحتية المدنية الحالية متضررة جدًّا، ومع ازدياد تضاؤل المساعدات الإنسانية والطبية، واستحالة تقديمها لتخفيف المعاناة، فإن وقف إطلاق النار وحده هو الذي سيضع حدًّا لهذه الكارثة.


أما مستقبليًّا فإن معالجة الأسباب الجذرية للعنف، بدءًا من الاحتلال العسكري الإسرائيلي والفصل العنصري، هي السبيل الوحيد للحفاظ على الأرواح ومنع التصعيد العسكري في المستقبل.