تم نشر المقال بالأصل باللغة الانجليزية على موقع Middle East Monitor
في كل عام، في الثامن من آذار/ مارس، يُقال لنا: "كل عام والمرأة بخير في يومها العالمي"، حيث تغمر شاشاتنا الشعارات الوردية، والعبارات المبتذلة للشركات، والوسوم الجوفاء. وفجأة تبدأ المؤسسات، التي هي نفسها ترسخ الأنظمة الأبوية، بالاحتفاء بـ"صمود" المرأة، كما لو أن تحملها للاضطهاد إنجاز. لكنْ خلف هذا الاستعراض تكمن حقيقة صارخة وهي عنف متجذّر قائم على النوع الاجتماعي، ولامساواة مُمنهجة، وقمع للنساء اللواتي يرفضن الانصياع.
لا تزال النساء في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يُناضلن لا من أجل حقوقهن الأساسية فقط، بل أيضًا من أجل بقائهن؛ فالنساء الفلسطينيات في غزة تحت الاحتلال، والنساء السودانيات الهاربات من النزاع، والنساء السوريات واللبنانيات اللواتي يواجهن الانهيار الاقتصادي، لا يحتجن إلى اعتراف رمزي؛ فهن يتصدرن نضالًا ضد أنظمة عنف وتجريد من الحقوق متجذرة بعمق.
من المقاومة إلى الاحتواء: كيف جُرّد يوم المرأة العالمي من طابعه السياسي
يسلط شعار يوم المرأة العالمي لهذا العام (تسريع وتيرة العمل) الضوء على واقع قاتم يتمثل في أنه في ظل الوتيرة الحالية لن تتحقق المساواة الكاملة بين الجنسين حتى عام 2158. ذلك أن يوم المرأة العالمي لم يكن مُعدًّا لأغراض تسويقية، بل كان صرخة راديكالية من أجل العدالة، أشعلتها نساء الطبقة العاملة المطالبات بأجور عادلة وكرامة إنسانية. وقد كان أول احتفال بيوم للمرأة عام 1909 نتيجة إضرابات لعاملات صناعة الملابس، وكانت حركة نضال حقيقي، لا استعراضًا رمزيًّا من قبل المؤسسات.
ما كان في يوم من الأيام مناسبة للنضال السياسي قد جُرّد من جوهره الثوري وأُعيد تقديمه في قالب يخدم مصالح المؤسسات ويعزز سلطة النخب بدلًا من أن يقوضها. يُقال لنا إن التقدم يتمثل في تزايد أعداد المديرات التنفيذيات والقائدات العسكريات ضمن مبادرات التنوع داخل مؤسسات استغلالية في جوهرها، في حين تظل الأنظمة التي تدعم العنف والتمييز على حالها. وهكذا لم يعد يوم المرأة العالمي يعبر عن نضال جماعي من أجل التحرر، بل تحول إلى مساحة تبرز قلة متميزة، وتختزل النسوية إلى مجرد مظهر خارجي بعيدًا عن كونها قوة للتغيير الجذري.
"8 آذار/ مارس: اليوم العالمي للمرأة". ملصق عتيق من مجموعة "عبودي بو جودة" يُخلّد ذكرى اليوم العالمي للمرأة، مُسلّطًا الضوء على رسالة المقاومة الخالدة لهذا الحدث، ومؤكدًا النضال المستمر من أجل المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة. (الصورة: بإذن من مجموعة ملصقات عبودي بو جودة العتيقة).
النسوية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: تاريخ من النضال من أجل التحرر
لطالما ارتبطت النسوية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالنضال من أجل التحرر الوطني وتقرير المصير. فقد نشأت بالتوازي مع الحركات المناهضة للاستعمار في أواخر القرن التاسع عشر، حيث ناضلت النساء ضد الاضطهاد القائم على النوع الاجتماعي والحكم الأجنبي؛ ففي مصر ربط الاتحاد النسائي المصري عام 1923 المساواة بين الجنسين بالنضال الأوسع نحو الوحدة العربية. وفي فلسطين كان للمرأة الفلسطينية أدوار محورية في المقاومة، لا سيما في انتفاضة البراق عام 1929 ضد الاستعمار البريطاني. أما في الجزائر فكانت المرأة الجزائرية جزءًا لا يتجزأ من الكفاح المسلح الذي قادته جبهة التحرير الوطني ضد الاستعمار الفرنسي. وعلى امتداد المنطقة كانت النسوية جزءًا لا يتجزأ من كفاح الإمبريالية.
وعلى الرغم من ذلك، غالبًا ما يُمحى هذا الإرث النضالي الثوري اليوم. على سبيل المثال أمضت المرأة الفلسطينية أكثر من قرن في مقاومة الاحتلال؛ بدءاً من تحدي المستوطنات الصهيونية المبكرة إلى قيادة التنظيم الشعبي خلال الانتفاضة الأولى. فأطلقن حملات مقاطعة، وحافظن على استمرارية حركات المقاومة، وتحملن القمع الوحشي، وهو ما يبرهن على أن نضالهن لم يكن يومًا محصورًا في المطالبة بالحقوق فحسب، بل كان نضالًا من أجل التحرر.
وفي ظل الحكم الاستعماري خاضت النساء نضالًا على جبهتين: نضالًا ضد عنف الاحتلال، ونضالًا ضد الهياكل الأبوية التي تعزز اضطهادهن. وقد كان نضالهن يتجاوز مجرد الظهور أو التمثيل الرمزي؛ فقد كان يتعلق باستعادة السيادة والهوية والحريات الأساسية، في تحدٍّ للمحاولات الممنهجة لطمسها.
العنف القائم على النوع الاجتماعي هو عنف سياسي: الحرب على أجساد النساء
العنف القائم على النوع الاجتماعي ليس أمرًا عرضيًّا؛ بل عنف منهجي، متأصل في نسيج القمع ذاته. تفيد بيانات البنك الدولي أن نحو 40 في المئة من النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد تعرّضن للعنف الجسدي أو الجنسي على يد شريك.
وغالبًا ما يُستخدم العنف الجنسي روتينيًّا سلاح حرب، ولإذلال مجتمعات بأكملها ومحاولة محوها؛ فالنساء الفلسطينيات في غزة يواجهن هجومًا عسكريًّا إسرائيليًّا لا يقتل أطفالهن فحسب، بل يُحوّل أجسادهن أيضًا إلى ساحات حرب، وذلك من خلال عمليات الإجهاض القسري أثناء القصف، والإهمال الطبي، والتدمير المتعمد لخدمات الرعاية الصحية الخاصة بالأمهات. وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية فقد قُتل نحو 12,000 امرأة في غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، في حين تُهدد المجاعة المفتعلة عشرات الآلاف غيرهن. وفي الوقت نفسه، أفاد صندوق الأمم المتحدة للسكان أن 19 مستشفى فقط من أصل 35 مستشفى في غزة لا يزال يعمل جزئيًّا، ومن ثم فإن 50 ألف امرأة حامل تترك دون الرعاية الصحية المنقذة للحياة.
وفي السياق ذاته، لا يزال قتل النساء يمثل وباءً عالميًّا، بدءًا بما يُسمى بجرائم "الشرف" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وصولًا إلى تصاعد العنف المنزلي في جميع أنحاء العالم. وتشير منظمة العفو الدولية إلى أن جائحة كورونا (كوفيد-19) فاقمت من حدة العنف القائم على النوع الاجتماعي؛ إذ حوصرت النساء مع مُعنّفيهن في ظل انهيار أنظمة الدعم والرعاية.
ويُفاقم العنف الاقتصادي هذه الحقائق، حيث يحاصر نظام الكفالة النساء المهاجرات في ظروف عمل استغلالية، وهو ما يُجبرهن على دعم اقتصادات تتجاهل إنسانيتهن. وفي المقابل، يدعم عمل المرأة المنزلي غير مدفوع الأجر الاقتصاد العالمي، ومع ذلك يظل غير مرئي ومهمشًا. وقد زادت الجائحة من تعقيد هذه الأزمة، حيث ازدادت أعباء الرعاية غير المأجورة على النساء، ما تسبب لكثيرات منهن بمزيد من انعدام الأمن الاقتصادي.
من الرمزية إلى التضامن: استعادة روح المقاومة النسوية
كما صرّحت أودري لورد: "لستُ حرةً ما دامت أي امرأةٍ غير حرة، حتى وإن اختلفت أصفادنا". فالتحرر الحقيقي يتطلب تضامنًا عابرًا للحدود، وإدراكًا بأن النضال ضد النظام الأبوي والاستعمار والرأسمالية مترابط. إنه لا يقتصر على مجرد الظهور في دوائر النخبة، بل يتطلب تغييرًا جذريًّا للهياكل التي تُعزز عدم المساواة. فالنسوية التي تُعطي الأولوية لتمثيل مجالس الإدارة، وتُركز على التنوع دون تفكيك الأنظمة القمعية، ليست هي النسوية التي تحتاج إليها النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
فمن دون تحرر جماعي يكون التغيير سطحيًّا أقرب إلى طقس فارغ، بدلًا من أن يكون عدالة تحويلية حقيقية.
لذا، في يوم المرأة العالمي هذا يجب أن نطرح السؤال الجوهري: كيف يبدو التضامن الحقيقي؟ إنه لا يتجلى في الشرائط الوردية أو رعاية المؤسسات، بل في الوقوف إلى جانب النساء اللواتي يخضن نضالًا من أجل التحرر كل يوم. وكل ما دون ذلك ليس عدالة، بل تواطؤ.
تم نشر المقال بالأصل باللغة الانجليزية على موقع Middle East Monitor